في حين عادت إلى واجهة العمل البرلماني في جلسة أمس سياسة إغراق مجلس الأمة بلجان مؤقتة وأخرى للتحقيق أو لتقصي الحقائق، بقيت اللجان الدائمة وتلك المؤقتة المُشكَّلة في بداية دور الانعقاد الحالي رهينة اكتمال النصاب والتزام النواب بحضورها، وهو ما يمكن قياسه فعلياً بمخرجات اللجان الحالية من شح في التقارير النهائية حول الاقتراحات بقوانين أو نتائج لجان التحقيق.

Ad

فبحسب إحصائية مجلس الأمة الدورية، فإن جدول أعمال اللجان الدائمة مدرجٌ عليها 1181 موضوعاً منذ بداية دور الفصل التشريعي الحالي حتى تاريخ 24 ديسمبر الماضي، ولم يُنجَز منها سوى 58 موضوعاً، أما اللجان المؤقتة والتحقيق فإجمالي المدرج على جدول أعمالها 47 موضوعاً لم يُنجَز منها سوى 9 مواضيع للفترة ذاتها.

وعلى ضوء هذا الواقع، تُطرَح تساؤلات مستحقة عن جدوى تشكيل اللجان الجديدة التي أقرها المجلس أمس، فهل الجهاز التشريعي قادر على تحمُّل أعبائها؟ وهل لدى النواب القدرة على حضور جلساتها والالتزام بها؟ ولماذا لا تكلف اللجان القائمة بالمواضيع عوضاً عن تشكيل لجان جديدة أصبحت أقرب إلى ما يمكن تسميته بـ"لجان بطالة مقنعة"؟

هناك من يرى أن تشكيل اللجان أياً كانت، مؤقتة أو تحقيق، هي حق نيابي دستوري وفق لائحة المجلس بهدف التركيز على قضايا محددة أو التحقيق فيها، وعلى الحكومة عدم الانزعاج منها وعلى النواب الالتزام بها، إلا أن هناك من يؤكد أن تاريخ تلك اللجان يشير إلى أن معظمها لم يحقق إضافة "تشريعية" أو "رقابية" لأعمال المجلس، بل أصبحت "مقبرة نيابية" لقضايا لها أهميتها السياسية والشعبية.

تحوُّل مجلس الأمة من "مؤسسة تشريعية" إلى "مخفر برلماني" كما وصفه النائب خليل أبل أمس، أصبح عادة لم تستطع المجالس التخلص منها نيابياً لأسباب انتخابية أو مصالح سياسية، ولا تتحرك الحكومة لمواجهتها في كثير من الأحيان لشراء ود النواب وتحت ذريعة تعاون السلطتين، ولعل المفارقة في لجان التحقيق النيابية تحديداً، أن معظم أعضائها لهم مواقف مسبقة من القضايا المطروحة للتحقيق، وهو ما يفقد اللجنة حياديتها، ويحوِّلها إلى سيف مصلت على رقبة الحكومة، فـ"تؤكل كما أكل الثور الأبيض" لاحقاً.

أما اللجان المؤقتة فهي الأخرى لم تعد سوى مواعيد إضافية على جدول أعمال النواب ليس بالضرورة الالتزام بها، لذا نجد ارتفاعاً في حالات فقدان النصاب، وانخفاضاً في ساعات الاجتماعات وانعداماً في الإنتاج.

إغراق المجلس بلجان التحقيق واللجان المؤقتة لن يضفي طابع الإنجاز والرقابة عليه مادامت التشريعات لا ترى النور، ونتائج التحقيقات لا تنتهي إلى إيقاف فساد أو محاكمة مسؤول، ويكفي النواب اليوم البحث في أدراج لجان التحقيق والمؤقتة السابقة ليجدوا كيف بدأت وإلى أين انتهت، وماذا حققت.