انقضى "أصعب رمضان" مر على العراق منذ عقود، بحسب تعبير شاع في الصالونات السياسية التي تشعر بشيء من الرضا إثر انتهاء مهمتين معقدتين، هما اختيار رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية، مع بقاء العقبة الكبرى وهي اختيار رئيس الحكومة وإقناع نوري المالكي بالتخلي عن أحلامه بالولاية الثالثة، وتأمين انتقال سلس للسلطة بعد انتهاء صلاحية حكومة تصريف الأعمال التي يقودها.
ووضع المالكي كل الشيعة في وضع صعب، لا برفضه الانصياع لنصائح حلفائه وتجاهله لرغبة النجف في استبداله فحسب، بل بحديثه شبه الرسمي عن انفصاله عن الكتلة النيابية الشيعية الكبرى في البرلمان "التحالف الوطني"، وهو ما يعد خرقاً لقاعدة أساسية في اللعبة، يغضب الفاعلين المحليين كما يغضب طهران التي صارت لاعباً عسكرياً وسياسياً غير خفي، منذ اجتياح "داعش" لنحو ثلث العراق منتصف يونيو الماضي.وبدا لوهلة أن حظوظ المالكي ارتفعت مع اختيار فؤاد معصوم رئيساً للجمهورية، وهو قيادي كبير في حزب الرئيس السابق جلال الطالباني، يمثل "جناح الاستقرار" لا في الحزب فقط بل في كردستان عموماً، وقد روج أنصار المالكي أن شخصية الرئيس المرنة، ستسمح لهم بإقناعه بأن يكلف المالكي تشكيل الحكومة، لكن معصوم أوضح لكل زائريه طوال الأيام الماضية، أنه لن يخرج على توافق الكتلة الكردستانية التي هددت بالانسحاب من كل العملية السياسية، إذا حصل المالكي على ولاية ثالثة، كما أنه لن يغامر بإغضاب النجف التي ترى مرجعيتها الدينية، ضرورة تغيير الفريق السياسي الراهن، بحثاً عن انفراجة في وضع البلاد.حتى هذه اللحظة يقول أنصار المالكي إنه متمسك بكونه المرشح الأوفر حظاً لرئاسة الحكومة المقبلة، وإن رئيس الجمهورية سيكلفه ذلك في جلسة البرلمان المقررة الثلاثاء المقبل، لكن الأمور أعقد مما يعرضونه بهذه البساطة؛ فالأحزاب الشيعية تتحدث بوضوح الآن عن "نهاية المالكي" قائلة إنه "يماطل لتوفير ضمانات شخصية" له ولبعض فريقه السياسي، تمنع ملاحقتهم بعد 8 أعوام أمضوها في السلطة داخل ملفات أمنية وسياسية شائكة، لكن المشكلة تبقى في الاتفاق على خليفة المالكي.وجرى تداول اسم حسين الشهرستاني مسؤول ملف النفط في الحكومة وصاحب النفوذ لدى عمالقة النفط الذين يربحون سنوياً 25 مليار دولار من استثماراتهم في حقول الجنوب، لكنه يظل مرشحاً يرفضه الفاعلون السياسيون في المدن المنتجة للنفط، نظراً لنزعته المركزية المفرطة، التي أغضبت الأكراد، كما أغضبت أهل البصرة مركز صناعة الطاقة في العراق.وجرى كذلك تداول اسم هادي العامري وزير النقل المقرب من حرس الثورة الإيراني، والمنشق، في قصة مثيرة، عن عمار الحكيم زعيم المجلس الأعلى، لكن العامري يرفضه السُّنة بشكل خاص، لأنه يرأس منظمة بدر المتهمة بممارسة العنف ضدهم، والتي تخوض الآن قتالاً طائفياً في ديالى يثير الجدل ويعقد ملف الشراكة الوطنية.وفي هذه الأثناء يطرح البعض اسم خضير الخزاعي نائب رئيس الجمهورية الحالي، والقيادي في جناح كبير منشق عن حزب الدعوة منذ 1998، يعرف بـ"حزب الدعوة - تنظيم العراق" وسيعني اختياره، إذا حصل، صيغة مخففة من الحزب الأم، ونفوذاً أكبر لسياسيي أقصى الجنوب الشيعي "البصرة وميسان" حيث ينحدر منهما قادة هذا الجناح الذين يأملون "كسر احتكار" المدن الدينية كالنجف وكربلاء، للمناصب السيادية.لكن هذا لن يمنع عادل عبدالمهدي القيادي في المجلس الأعلى، وأحمد الجلبي العراب الشيعي الأبرز، والذي يفضله مقتدى الصدر، من أن يستمرا في القتال حتى الدقيقة 90، مستندين إلى مقبوليتهما الواسعة، إلى جانب قناعة بحاجة المأزق الحالي إلى رئيس حكومة خبير بمهارات تفاوضية واضحة، يطلق إصلاحات سياسية واسعة في البلاد، ويخفف على وجه السرعة، الاحتقان مع الأكراد، لتبدأ مرحلة بناء الضمانات السياسية الكبرى، التي يتطلبها أي مشروع تسوية أمنية وسياسية مع المحافظات السنية الأربع التي يسيطر "داعش" على أهم مفاصلها، ويضع بذلك البلاد على مفترق طرق تاريخي نادر وعسير.
آخر الأخبار
بغداد لا تفكر في المالكي ومشغولة بتحديد خليفته
01-08-2014