منذ نشأة الكويت الحديثة في بداية ستينيات القرن الماضي وقصص ثراء بعض المواطنين من مناصبهم الحكومية أو عن طريق نفوذهم تتداول بين أفراد المجتمع، ويعرف الكويتيون معظم أو كل من حقق ثروات من منصبه الحكومي أو من موقع سياسي، وهناك عقارات ومصالح تجارية تربط بأسماء هؤلاء الفاسدين مباشرة حتى يومنا هذا، لكنها كانت في ذلك الوقت ممارسات محدودة، وكان يتم التعامل معها حسب التوقيت الذي تراه السلطة مع المتكسب من موقعه، وبشعار "كفاية بس شبعت"، فتقوم بعزله بطريقة بروتوكولية بإحالته إلى التقاعد، أو تسميته مستشاراً في جهة ما، أو الاستغناء عن خدماته بالنسبة لأصحاب المواقع السياسية.

Ad

تلك الممارسات المحدودة في ذلك الزمن، تفشت بشكل كبير بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، وانتشرت في المجتمع قصص ووقائع الثراء الفاحش الذي يحققه رجال محدودو القدرات المالية، بعد حصولهم على مقعد في البرلمان أو الحقيبة الوزارية، وكذلك توسع تجارة رجال الأعمال بعد فوزهم في الانتخابات البرلمانية، أو فوز أحد أقاربهم فيها، وتكرار اكتشاف شركات وعقارات ضخمة لوكلاء وزارات ورؤساء مؤسسات حكومية بمجرد تقاعدهم، رغم عدم وجود ثروات لعوائلهم تبرر هذا الثراء الفاحش الذي أصبحوا عليه، وهي الظاهرة التي دفع عدم التصدي لها إلى تبلد المجتمع وحتى تبريره وقبوله مبدأ التنفع والتكسب من المنصب الرسمي والمال العام.

وكان الانفجار الأكبر لتلك الممارسات الفاسدة القبيحة الكشف عما سمي بقضية الإيداعات التي اتهم فيها أطراف من الحكومة ومجلس الأمة، والتي لوثت المؤسستين القائمتين على إدارة شؤون البلد تشريعاً وتنفيذاً، ومع تداعيات القضية التي تطورت إلى أزمة سياسية كبيرة عصفت بالكويت لعدة شهور أحيلت القضية إلى القضاء الذي حفظها لعدم كفاية الأدلة، وهو ما لم يقبله أغلبية السياسيين وجهات مختلفة في المجتمع الكويتي، وأرجعوه لقصور التشريعات والطريقة التي أحيلت بها القضية إلى النيابة العامة.

وفي كل هذه التداعيات وأثرها السلبي على المجتمع وتزعزع ثقته بمؤسسات الدولة، وكذلك بسبب تطورات الربيع العربي من حولنا، خرجت السُلطة بمرسوم الضرورة المهم الخاص بكشف الذمة المالية للسياسيين وأصحاب المناصب العليا في الدولة، وهو الإجراء الذي شككت المعارضة في جدية الحكومة في تطبيقه، وهو ما حدث بالفعل لاحقاً، رغم أن سلطات "مطعونة" في نزاهتها منذ 2010 كان يجب عليها أن تواصل الليل بالنهار لتنجز عمل الجهة الرقابية التي ستبرئ ساحة أعضائها لتعيد الثقة لدى الشعب بها، وتمكنها من التصدي للفساد بشكل جدي، لكن للأسف لم يحدث ذلك في المجلس السابق المبطل، ولن يتحقق في المجلس الحالي للسنوات الأربع المقبلة، لأن أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية تولوا مواقعهم دون الكشف عن ذممهم المالية منذ البداية.

بالتأكيد أن هذا الاستخفاف في التعامل الجدي مع قضية محاربة الفساد والتكسب من المواقع والمناصب العامة سيجعلنا ندور في نفس دوامة الإخفاقات والتردي التي نعيشها، ولن تخلق في البلد والمجتمع الثقة بجدية الإصلاح ومحاربة الفساد لدى الدولة، مادامت المؤسسات غير موثوق بها ولم تبدد الشكوك التي تلوث سمعتها وتؤكد نزاهة أعضائها، لذا فإن الحكومة والبرلمان الحاليين لن يكونا قادرين على الإصلاح والتنمية ما لم يعيدا الثقة بنزاهتهما ويطبق قانون كشف الذمة المالية بأثر رجعي -قبل انتخابات يوليو 2013- على النواب والوزراء الحاليين.

***

بعد أربعة أيام من مقالتي (الأحد الماضي)، التي ذكرت فيها أن إيران ستبطئ برنامجها النووي وربما توقفه لاحقاً، أعلنت طهران تخفيض تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة، بينما سحبت واشنطن قطعها البحرية من أمام السواحل السورية؟!