عسكرية السيسي فخر له
"ما لقوش في الورد عيب قالوا له يا أحمر الخدين"، كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبوعمار) يكرر دائماً وأبداً هذا المثل المصري الشهير كلما وجه أحدهم انتقاداً لأمر من الأمور الفلسطينية يعتقد هو، أي أبوعمار، أنه من أفضل القرارات وأحسن المواقف، وحقيقة إن بعض زملائه في القيادة الفلسطينية كانوا يواجهونه بابتسامات استغراب كلما ردد هذا المثل على الطالع والنازل، فهو ابن مصر كما هو ابن فلسطين، ولهذا فإنه أمر عادي وطبيعي أن تكون ذاكرته الشعبية ذاكرة مصرية.في كل الأحوال فـ"مصر هي أم الدنيا"، ولذلك فإنه من الممكن القول، لكل الذين أخذوا على المشير عبدالفتاح السيسي أنه أعلن عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة وهو يرتدي الثياب العسكرية التي بقي يرتديها معظم وقته ولخمسة وأربعين عاماً، "ما لقوش في الورد عيب قالوا له يا أحمر الخدين"، فهؤلاء لم يجدوا ما يعترضون به على هذا الرجل، الذي من الواضح أنه قد تجاوز بشعبيته الكاسحة كل الذين سبقوه: "من عهد مينا إلى عهد عمرو إلى عهد جمال"، إلا أنه خرج إلى المصريين ليبلغهم قراره التاريخي وهو يرتدي "البدلة" التي قضى فيها زهرة عمره منذ أن كان ابن خمسة عشر عاماً حتى ذلك الظهور التلفزيوني المثير للإعجاب.
ما هو العيب في أن يظهر المشير عبدالفتاح السيسي في اللحظات الأخيرة من حياته العسكرية المديدة، التي كرسها لخدمة الشعب المصري، والدفاع عن أرض الكنانة... مصر العظيمة، وهو يرتدي ثياب العزة والشرف والشجاعة التي بقي يرتديها خمسة وأربعين عاماً؟ أليس من حقه أن يُذكِّر عائلته وأهله وشعب مصر بأنه ذاهب من موقع رجولة، حيث بقي يدافع عن بلده وشرف بلده وكرامته وعزته كل هذه المدة الطويلة، إلى موقع يشكل خندقاً متقدماً لمواصلة عسكريته وجنديته من أجل هذا البلد الذي عُمر حضارته أكثر من ستة آلاف عام، والذي أوصله إلى ما وصل إليه، سابقاً ولاحقاً، جنود أشاوس وأبطال مثلهم مثل هذا الجندي الشجاع الذي رفض الترجل وأصر على مواصلة نذْر نفسه وحياته وعمره لأم الدنيا؟! هل يعقل، بدل أن تعتبر عسكرية المشير عبدالفتاح السيسي رصيداً مشرفاً له ولبلده ولشعبه، أن يبادر تجار الشعارات وباعة الكلام الفارغ إلى استخدام الخمسة والأربعين عاماً، التي أمضاها هذا الجندي الشجاع في الخنادق وفي ميادين التعبئة والتدريب وفي ساحات القتال، مبرراً للنيل منه، وكأن الخدمة المتفانية في القوات المسلحة المصرية ليست شرفاً وتشريفاً لكل مصري، وكأنه يجوز لمن أمضى حياته بين أطفاله وفي وظيفته المريحة ما لا يجوز لجنديٍّ أمضى خمسة وأربعين عاماً من عمره في خدمة مصر، وعرَّض حياته في كل لحظة منها للأخطار...؟ ألا يحق لهذا المقاتل البطل أن يتباهى بكل هذه النياشين والأوسمة التي حملها بكل جدارة وبكل شجاعة على صدره...؟!عندما يحق لمعلم الجامعة ولموظف الحكومة ولحزبي أعطى كل وقته لخدمة حزبه ومنظمات حزبه ولأي إنسانٍ عاديٍّ أن يرشح نفسه لموقع رئيس الجمهورية فلماذا لا يحق للمشير عبدالفتاح السيسي أن يطل على شعب مصر وعلى العالم أيضاً بعد إعلانه نية الانتقال من خندق قتال قديم إلى خندق قتال جديد وهو يرتدي "البدلة" العسكرية...؟ لماذا هناك "فوبيا" ضد القوات المسلحة والجيش المصري؟ وهل هناك أحق ممن أمضى من عمره خمسة وأربعين عاماً بين الخنادق وفي ساحات القتال في أن يرشح نفسه رئيساً للبلد الذي أفنى هذا الشطر الطويل من عمره وهو في خدمته والدفاع عنه...؟!إن عسكرية المشير عبدالفتاح السيسي شرف له وشرف لمصر، وإن من خدم في القوات المسلحة بإخلاصٍ وتفانٍ من حقه أن يكمل المشوار من خلال خندق جديد هو خندق الرئاسة التي هي تكليف لا تشريف... ثم والكل يعرف أن قادة تاريخيين من بينهم دوايت أيزنهاور قد جاؤوا إلى مواقع الرئاسة من خلال الملابس العسكرية، والكل يعرف أن مجموعة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حكمت كمجموعة عسكرية، وإن كان رموزها قد تخلوا عن ملابس الجندية، وأن هناك في التاريخ العربي الحديث من حشر جسده حشراً في ثياب الجيش، ومن حمَّل صدره الكثير من الأوسمة والنياشين وهو لا يتقن حتى: "إلى اليمين دُرْ"!