مع مرور الوقت وتراكم الخبرات اختبر ميساك ترزيان الحلم في لوحاته، فغاص فيه عميقاً، ولم يكن يشتته عن تركيزه سوى إشارة ما، تنبهه إلى الوقت والوجود.
لم يسمح للوقت بتحديد حياته، بل تفجرت لوحاته بقوة، محدثة لحظة أثيرية امتزجت مع طاقة الكون اللامحدود، وانسابت في اللوحات سهولا وودياناً ومنعرجات، تستحضر بعضاً من صور ذلك البلد البعيد الذي كان في يوم من الأيام وطناً هانئاً قبل أن تدوسه الأقدام الهمجية.لفهم لوحات ميساك ترزيان، يجب الغوص فيها وتلمس الروح النابضة في كل زاوية وتفصيل، وضوء الكون الساطع في كل ضربة ريشة. إنه الحلم الخالد الذي يعطي ترزيان معنى لفنه.الفن أكثر من لوحة. إنه مئات الساعات من الفشل والتجريب. إنه أيام وأسابيع وأشهر من الإحباط، وأوقات من الفرح النقي، إنه قطعة من قلبه، روحه، وحياته. وعندما يتفاعل الرائي مع اللوحة ويصبح جزءاً منها، يتجلى معنى الحلم الخالد.هذه الرؤية التي تختصر لوحات ميساك ترزيان الأخيرة عبّر عنها بمزيج من التجريدية، التعبيرية الرمزية، والمعاصرة... اكتسب هذه الخلطة في التقنية من سلسلة المعارض التي أقامها وبلغت المئة، ومن تراكم ثقافته الواسعة وتجواله في العالم ابتداء من لندن حيث تخرج في معهد لندن للطباعة... فحوّل فنه إلى رسالة تحمل ما يعتمل في داخله من مشاعر متناقضة، وتبحث في الوجود والكيان... فهو ابن عائلة هُجرت من أضنة في أوائل القرن العشرين على أثر المجازر التركية في أرمينيا، وتربى على حكايات جده عن الوطن البعيد، عن بطولات هذا الشعب المتمسك بالحياة وبأرضه...ترجم ميساك ترزيان هذا الإرث في لوحاته ألواناً متمازجة مع الخطوط، فشكلت عناصرها وحدة، وبات فيها حضور الإنسان جزءاً من الطبيعة، في تناغم يبدو واضحاً في تأليف اللوحة، ويرجع صدى الموسيقى، ملهمة الرسام ورفيقته في بحثه الدائم عن سر الوجود الذي هو تاريخه، حياته، فلا ريب بعد أن تكون إحدى لوحاته حول الرمان الذي هو أحد رموز أرمينيا.الأمل الذي تمسك به أجداده في مواجهة مؤامرة تهجيرهم من أرضهم، حمل مشعله ميساك ترزيان، وإذا بلوحاته تنبض بنور الحياة، والقناع الذي كان يخفي المشاعر سقط فانسكبت دمعة تروي وجهاً رسم الزمن المر خطوطه عليه، ومع ذلك جعلها سلاحه القوي ليتجاوز المعاناة. في قلب كل لوحة تتربع آلة موسيقية، وفي كل لوحة يزداد الأشخاص الذين يحتفلون بالحياة، بين غيوم تظلل السماء بوشاح من غموض جميل.الموسيقى هي صنوالإبداع عند ميساك ترزيان، والحلم هو جسر تواصل مع أجداده الذين ساروا على طريق الموت وهم يتغنون بالحياة، فللحواس عنده أهمية كبرى لا سيما السمع والبصر، لذا يلبس أشخاصه باللون ويكللهم بهالة موسيقية. بقي يرسم الثنائي على مدى 30 سنة، بعد ذلك راح يعزف على وتر ألوانه فازداد حضور الأشخاص وصاروا جماعة... بين العواطف وصور من الماضي والمرأة والعلاقة بين أفراد العائلة والأصدقاء... تمرّ مشاهد من حياة ميساك ترزيان، تجعل الرائي يسافر من خلالها إلى عوالم خاصة ويستمع إلى أغنية منسية ويتأمل المغيب الذي هو بداية جديدة ويوم جديد، ودعوة إلى الانطلاق بعزم وقوة نحو المستقبل.
توابل
في «حلمه الخالد» ميساك ترزيان يعزف على أوتار الخط واللون
11-04-2014