انتعاش بريطانيا المتباطئ يفتقد التبرير

نشر في 13-12-2013 | 00:01
آخر تحديث 13-12-2013 | 00:01
No Image Caption
الهوس بعجز القطاع العام قاد الحكومة إلى الضلال

لا يوجد شيء يذكر في أداء الاقتصاد البريطاني الحالي يبعث على التفاؤل بشأن ديناميكية المستقبل. ويشير مكتب مسؤولية الميزانية إلى أن السبب الرئيسي للنمو المتسارع الذي فاق التوقعات هو الاستهلاك النشيط.
جورج أوزبورن، وزير الخزانة البريطاني متأكد تماماً من أن «خطة اقتصاد بريطانيا ناجحة». الآن، مع عودة النمو، يجادل في سبيل «انتعاش مسؤول». على أن السؤال المسبق هو: ما الذي تنتعش به المملكة المتحدة؟ لقد استسلم صناع السياسة فيما يتعلق بإنعاش ما فقده الاقتصاد. إنهم يعتقدون أن على الجمهور أن يتقبل أمراً أقل من ذلك بكثير، وسيفعل.

في عام 2013، أي بعد ستة أعوام من بداية الأزمة، مازال على اقتصاد المملكة المتحدة أن يتعافى ليصل إلى مستوى الذروة المتحققة قبل الأزمة. ووفقاً لمكتب مسؤولية الميزانية، سيحدث ذلك في عام 2014. ومع ذلك، حتى في ذلك الحين، سيكون الاقتصاد أكبر بمجرد 0.6 في المئة مما كان عليه قبل سبعة أعوام، وهو أبطأ انتعاش طوال أكثر من قرن.

 

إحباط

 

الصورة على المدى الطويل أكثر إحباطاً، ففي عام 2013 كان اقتصاد المملكة المتحدة أقل بـ14 في المئة من الاتجاه العام الذي كان سائداً خلال الأعوام من 1955-2007.

ويتوقع مكتب مسؤولية الميزانية المستقل ألا يتعافى أي من ذلك بحلول عام 2018. بدلاً من ذلك، يعتقد أن التحسينات الأخيرة لم تفعل سوى تقديم التاريخ الذي سيعود فيه الاقتصاد الى طاقته الكاملة. والانحراف من الاتجاهات السابقة سينمو على نطاق أوسع: المعدل السنوي لنمو الاتجاه العام في الأعوام 1955-2007 كان 2.8 في المئة، بينما تقف توقعات مكتب مسؤولية الميزانية لمعدل نمو الناتج المحتمل عند نحو 2 في المئة.

وهكذا، في حين استعاد الاقتصاد النمو، وعليه قريباً أن ينعش مستويات الناتج لما قبل الأزمة، ومن المتوقع ألا يتعافى إلى مستوى اتجاهه أو معدل نموه قبل الأزمة. في ظل افتراضات معقولة، فإن القيمة الحالية للناتج المفقود كنتيجة للأزمة وتداعياتها، ستكون 500 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.

وفي حين أن آفاق الناتج لاتزال محبطة، فإن تلك المتعلقة بالتوظيف باعثة على البهجة. كما قال أوزبورن: «البطالة أقل مما كانت عليه في عام 2010، ومن المتوقع أن تنخفض أكثر، من 7.6 في المئة هذا العام إلى 7 في المئة في عام 2015، وذلك قبل أن تنخفض حتى أكثر من ذلك لتصل إلى 5.6 في المئة بحلول عام 2018». لذا فإن أولئك الذين كانوا يخشون من أن الانتعاش الضعيف قد يعني معدل بطالة مرتفع، هم على خطأ.

 

انخفاض الأجور

 

للأسف، إن هذا الأداء الذي يثلج الصدر بخصوص التوظيف ما هو إلا صورة طبق الأصل عن الأداء الضعيف للإنتاجية. في نهاية المطاف، فإن الأجور الحقيقية انخفضت لأن الناتج في الساعة قد انخفض، الأمر الذي خفف من فقدان الوظائف. ويفترض مكتب مسؤولية الميزانية أن خسائر الإنتاجية السابقة، بالنسبة إلى الاتجاه العام، لن يتم استردادها. مع ذلك يأمل أن ينتعش نمو الناتج في الساعة ليقترب من 2 في المئة بحلول عام 2015.

لا يوجد شيء يذكر في أداء الاقتصاد الحالي يبعث على التفاؤل بشأن ديناميكية المستقبل. كما يشير مكتب مسؤولية الميزانية، فإن السبب الرئيسي للنمو المتسارع الذي فاق التوقعات هو الاستهلاك النشط. والسبب الرئيسي لذلك هو «الادخار المنخفض، وليس الدخل المرتفع».

 

استثمارات الشركات

 

هذا أمر غير قابل للاستدامة. ويأمل أن الانتعاش سيقوّي الاعتماد على الإنتاجية المرتفعة والأرباح الحقيقية. للأسف، من المتوقع أن تقل استثمارات الشركات بنسبة 5.5 في المئة هذا العام. ومن المتوقع أن تنتعش بقوة في العام المقبل. دعونا نأمل ذلك. لا يتوقع أي تحسينات في صافي التجارة. واستعادة التوازن لاتزال حلماً مستحيلاً.

إن محور خطة الحكومة هو تعزيز أوضاع المالية العامة. هنا، تحسن الموقف لأن الانتعاش جاء أبكر مما هو متوقع. ويتوقع مكتب مسؤولية الميزانية أن يكون صافي اقتراض القطاع العام وصافي دين القطاع العام، نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي (الذي ذروته الآن 80 في المئة في عامي 2015 و2016)، أقل مما كان مارس. مع ذلك، نظراً لكونه غير متفائل بعد بشأن الوضع الهيكلي، فإن الضغوطات على المالية العامة لن تتغير.

وستكون بعض المضامين مذهلة. فمن المتوقع أن ينخفض عجز الموازنة 11.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى تسعة أعوام ابتداءً من عامي 2009 و2010. ونحو 80 في المئة من هذا الانخفاض هو نتيجة انخفاض الإنفاق العام. الأمر الذي جعل استهلاك الحكومة من السلع والخدمات هو الحصة الأصغر من الدخل الوطني على الأقل منذ عام 1948. ينبغي أن نشك بشدة بأن هذا سيحدث مهما كانت وعود الحكومة. وإذا حدث بالفعل، فإن الأمور ستسير في الاتجاه الآخر.

 

تعزيز الأوضاع المالية

 

كان رد الحكومة الحالية السائد للأزمة هو افتراض أن أولوياتها الساحقة كانت تعزيز الأوضاع المالية العامة. لقد افترضت بأنها تواجه أزمة في المالية العامة بدلاً من أزمة اقتصادية أوسع. ولم تركز على السياسات التي تحتاجها لإعادة الاقتصاد بأسرع وقت ممكن، لمستويات الاتجاه طويلة الأمد ومعدلات نموه.

ويظهر العمل في صندوق النقد الدولي أن الأزمات المالية الضخمة لها في العادة آثار وخيمة طويلة الأجل. لكن الموظفين هناك لاحظوا أن: «الاقتصادات التي تطبق حوافز في المالية العامة وحوافز نقدية لمواجهة التقلبات الدورية على المدى القصير  تميل إلى أن تحقق خسائر أقل في الناتج على المدى المتوسط».

كان لدى الحكومة المجال لمواصلة تعزيز المالية العامة، لكنها عكسته قبل الآوان. ليس من الصعب قبول أن هذا قد أثر على الاستثمار، وبالتالي على الناتجين المحتمل والفعلي.

وعلاوة على ذلك، فعلى الرغم من تكاليف الاقتراض المنخفضة للغاية، من حيث القيمة الاسمية والحقيقية، سيبلغ معدل صافي الاستثمار العام 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بين الأعوام 2013-2014 و2018-2019 – أي نحو ثلثي الحصة قبل الأزمة، وبالتأكيد أقل بكثير مما يحتاج إليه الاقتصاد وما يمكن تحمله. هذه واحدة من عدة طرق، إزاء الهوس بعجز القطاع العام وديونه، بدلاً من صحة الاقتصاد وصافي قيمة القطاع العام، وهو ما أدى بالحكومة إلى الضلال.

الحكومة ليست مجرد أسرة أخرى، خاصة بعد أزمة طاحنة، فوظيفتها استعادة صحة الاقتصاد بأسرع وقت ممكن، وبالتالي تقليل الضرر طويل الأجل. لقد فشلت في فعل ذلك. وحقيقة أن النمو قاد عاد فهذا خبر جيد، لكن هذا لا يمكن أن يبرر استراتيجية سمحت بمثل تلك الخسائر الضخمة، طويلة الأجل.

* فايننشال تايمز

back to top