الحديث عن تنازع الأكراد والسُّنة هذه الأيام، على منصب رئيس الجمهورية في العراق، يعود في أبرز مفاصله إلى عام 2010، حين كان نائب رئيس الجمهورية، طارق الهاشمي، طامعاً في انتزاعه من الرئيس جلال الطالباني.
أما اليوم فإن الطالباني غائب، وكاريزماه وتاريخه السياسي لا يؤديان ذلك الدور الحاسم في توحيد المواقف الكردية وإدارة التفاوض مع الآخرين، كما أن الهاشمي بات خارج كل الحسابات، وبديله المنافس على المنصب، أي أسامة النجيفي رئيس البرلمان، أكثر حنكة وكياسة منه، وقد خرج قوياً من مهمة إدارة البرلمان وتحول في أصعب الظروف، إلى أقوى رجال السنة.ويقول السنة لحلفائهم الأكراد، إنهم يحتاجون إلى المنصب لإقناع جمهورهم بجدوى السياسة وبوجود فرصة لتصحيح ما جرى من مظالم وتعديات. وهذا كلام يأتي في الرد على الأكراد الذين يمتلكون ذريعة مشابهة قائلين إن وجود كردي في منصب رئيس الجمهورية عامل نفسي مهم يخفف شعور الأكراد التاريخي بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في ظل الحكومات المركزية المتعاقبة.لكن الأمر ليس مجرد تنازع على منصب، بل يرتبط بقضيتين بالغتي التعقيد؛ فمن جهة لا يريد السنة خوض صراع مكلف مع الأكراد على المنصب، في هذا الوقت على الأقل، إذ إن قواعد اللعبة تفرض تصالحاً عميقاً مع كردستان، لاسيما في منطقة الموصل المحاذية التي أفرزت أهم القيادات السنية وعلى رأسها النجيفي، واستمرار التهدئة الهشة في الموصل شرط للتفرغ لتداعيات ما يحصل في الأنبار، وذلك الهدوء ناتج عن البراغماتية العالية التي أبداها الأخوان أسامة وأثيل النجيفي (محافظ الموصل)، مع الأكراد، وصناعة شراكات اقتصادية تتضمن عقوداً نفطية تظل غير واضحة في المناطق المتنازع عليها بين كردستان والموصل، فضلاً عن وجود وساطة تركية دائمة تكافح للحفاظ على حلف بين السنة والأكراد، للحد من نفوذ إيران في العراق. ومن جهة أخرى، فإن أقوى الأطراف الكردية ربما سيتنازل عن منصب الرئاسة إذا بقيت الخلافات قائمة بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامةالرئيس جلال الطالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه حزب مسعود البارزاني على المنصب. فهناك من ينقل عن حزب البارزاني القول: "إما أن يكون منصب رئيس الجمهورية من حصة حزبنا، أو نتنازل عنه للسنة ولا نعطيه لحزب الطالباني، ونفضل حينها أخذ رئاسة البرلمان".فكما صبر السنة دورتين برلمانيتين، بأمل أن يحين وقت حصولهم على رئاسة الجمهورية، فإن حزب البارزاني صبر الفترة ذاتها، متنازلاً عن المنصب لمصلحة غريمه الطالباني. وإذ يقول السنة إنهم يريدون كسر احتكار الأكراد للمنصب كي لا يصبح الأمر عرفاً، وكي يصبح تداولياً بين القوميات، فإن حزب البارزاني أيضاً لا يريد أن يبقى منصب الرئيس محتكراً من غريمه الاتحاد الوطني، الذي تراجع تمثيله في الانتخابات مع صعود حركة التغيير المعارضة، واحتمال أن يتحول حزب الطالباني إلى معارض في برلمان كردستان بعد سنوات طويلة من الشراكة مع حزب بارزاني.وإذ يقول الخبراء إن السنة لن يصعدوا أسباب الخصومة مع الأكراد، كما أنهم لن يبيعوا الأكراد بصفقة جانبية مع رئيس الوزراء نوري المالكي، الطامح للتلاعب بالتحالفات، فإنهم سينتظرون ما يؤول إليه الخلاف بين الأكراد، عسى أن يتنازل البارزاني عن المنصب لمصلحتهم، رغم أن أطرافا شيعية لا تخفي رغبتها في أن ترى البارزاني نفسه رئيساً في بغداد، لبناء ضمانات أقوى تهدئ جبهات الصراع، وتسهم في منع المالكي من ولاية ثالثة، وتعزز التفاهمات الطيبة بين معارضي المالكي الطامحين إلى إجراء إصلاحات سياسية عميقة، تضع حداً للأزمات التي باتت تهدد مصالح الجميع.
آخر الأخبار
سنة العراق يريدون منصب الرئاسة دون إغضاب الأكراد
10-05-2014