ما قصة سوزان رايس مع البرامج الحوارية في صباح أيام الآحاد؟ اعتبرت رايس هذه المرة أن الرقيب باو بيرغدال خدم في أفغانستان "بكل شرف وتميّز". إنها أكبر كذبة منذ أن أصرّت على أن اعتداء بنغازي حصل نتيجة أحد الفيديوهات.

Ad

ثمة أدلة قوية على أن بيرغدال فرّ من وحدته وأن البحث عنه عرّض زملاءه الجنود للخطر، ولو لم يحصل ذلك، لما نشأ هذا السخط الوطني بسبب الفدية التي دُفعت لاسترجاعه، وكانت بعض الاعتراضات الشائعة على هذه الصفقة ستصمت كونها غير مبررة. لنأخذ هذه الأمثلة:

1- الولايات المتحدة لا تتفاوض مع الإرهابيين

إنه ادعاء سخيف، فنحن نتفاوض معهم طبعاً، والجميع يتفاوضون معهم لكنهم يدّعون العكس، في عام 2011، قام الإسرائيليون (وهم من أشرس محاربي الإرهاب بحكم الضرورة) بإطلاق سراح 1027 معتقلاً، مع أن بعضهم كانوا متورطين بجرائم قتل، مقابل استرجاع رقيب كان أسيراً.

2- الإدارة الأميركية لم تمنح الكونغرس إشعاراً مدته ثلاثون يوماً كما يقتضي القانون

وسط الصراع المحتدم على الصلاحيات بين الرئيس والكونغرس، لا أحد يستطيع سلب الرئيس دوره كقائد أعلى للقوات العسكرية. ومن حق القادة العسكريين أن يتفاوضوا على تبادل الأسرى.

لكن من أين ظهر هذا التأكيد المفاجئ على صلاحيات الكونغرس في هذا المجال؟ بعد خمس سنوات من الرضوخ لانتهاكات أوباما المتعددة، أصبح الكونغرس فجأةً يطالب باستعمال صلاحياته في شؤون الحرب (لكنّ ادعاءه يبدو الأضعف في هذا المجال). لا يحرك الكونغرس ساكناً في وجه 23 انتهاكاً منفصلاً لـ"قانون الرعاية بأسعار معقولة" الذي وضعه الرئيس بنفسه، وهو لا يقوم بشيء حين يسنّ أوباما "قانون التنمية والإغاثة والتعليم للقاصرين الأجانب" بموجب أمر تنفيذي، وهو لا يتحرك حين تعيد وزارة العدل صياغة قوانين المخدرات بشكل أحادي الجانب، لكنه الآن ينتفض غاضباً لأنه لم يحصل على إشعار مسبق عن عملية تبادل الأسرى؟!

3- إطلاق سراح أعضاء من "طالبان" يعرّض الأمن القومي للخطر

هذا صحيح. المعتقلون الخمسة الذين تحرروا هم من الأعضاء المتشددين والخطيرين وغير النادمين، كما أن ادعاء الإدارة أننا والقطريين سنراقبهم هو مجرد مزحة سخيفة. يمكن أن يبدؤوا بنسج المؤامرات ضدنا اعتباراً من الليلة، وإذا قرروا مغادرة قطر غداً، فمن سيوقفهم؟

ربما حاولت الإدارة التعامل بصدق في هذا الملف ففكرت بهذه الطريقة: نعم، لقد أفرجنا عن خمسة مقاتلين مهمين، لكن هذا ما يجب فعله لاستعادة الرهائن، وفي عمليات التبادل المماثلة، يعطي الغرب دوماً أكثر مما يأخذ لسبب بسيط: نحن نقدّر قيمة حياة الإنسان أكثر مما يفعل الهمجيون الذين نتعامل معهم.

نحن لم نقم بأي أمر مخزٍ، لكننا أمام واقع مؤسف بكل بساطة، لكن لماذا تبدو صفقة بيرغدال مشبوهة لهذه الدرجة؟ بسبب الطريقة التي اعتُقل فيها! هذه هي المشكلة الحقيقية، يبدو أنه فرّ من الجيش أو ربما انشقّ عنه.

لا بد من التمييز بين الأمرين، إذا كان منشقاً (أي أنه انضم إلى العدو للقتال ضد بلده)، فهو لا يستحق الإفراج عنه، بل إنه يستحق القتل مثلما نقتل الأعداء الآخرين في هذا المجال، ومثلما قتلنا أنور العولقي الأميركي الذي انضم إلى "القاعدة" بشكل علني. جواز السفر الأميركي لا يمنح الخائن أي حماية خاصة. (تحذير: عند تسليم أي معتقل بعد أسره، لا تنطبق عليه هذه الاعتبارات التي يمكن أن تدينه).

لكن لنفترض أن بيرغدال لم يكن منشقاً (سنكتشف ذلك قريباً)، بل إنه أراد الرحيل بكل بساطة، أي أنه هرب أو تخلى عن واجبه وعن رفاقه لأسباب لا تزال مجهولة، هل يمكن المساومة على جندي هارب؟

يجب أن يرتكز الجواب على عاملين أساسيين: يبقى بيرغدال عضواً في الجيش الأميركي لذا يجب أن يخضع للقضاء العسكري ولعقيدة الجنود التي تنص على وجوب عدم التخلي عن أي شخص منا.

ما العمل إذاً؟ يجب تحريره ثم محاكمته، وبعد عملية تبادل الأسرى، يمكن مقاضاته في محكمة عسكرية بتهمة الفرار من الجيش إذا كانت الأدلة قوية بما يكفي كما يشير الوضع الراهن.

لكن لا يزال التبادل بحد ذاته قراراً صعباً جداً. كنت سأحترم بشدة الرئيس الذي يرفض الصفقة باعتبارها غير متوازنة بكل بساطة، لكن يستحيل أن أحترم رئيساً يعقد هذه الصفقة المؤلمة ثم يحتفل بقراره في "حديقة الورود" في البيت الأبيض ويطلب من المتحدث باسمه ومساعديه أن يتعاملوا مع الحدث وكأنه يدعو للاحتفال. ما حدث ليس انتصاراً، بل إنه شكل من الهزيمة والرضوخ لواقع بائس، إنها صفقة قذرة: قد تكون ضرورية من حيث المبدأ لكن لا مفر من تنفيذها بأسف وهدوء أو حتى نفور.

لم يكن استعراض "حديقة الورود" مؤشراً على الفشل، بل إنه خطأ جوهري، ويبدو أن الرئيس يغفل عن خطورة أو طبيعة ما فعله للتو؛ لذا يتساءل المواطنون المصدومون والمضطربون عن حقيقة الرجل الذي اختاروه مرتين لقيادتهم.

* تشارلز كراوثامر | Charles Krauthammer