أليس من العجيب بعد قائمة الجنح التي ارتكبتها الصناعة المصرفية أن نتذكر أن بوب دياموند قال قبل ثلاث سنوات، وكان حينئذ الرئيس التنفيذي لبنك باركليز، أمام لجنة المالية في مجلس العموم إن «فترة الندم والاعتذار من قبل المصارف بحاجة إلى أن تنتهي»؟

Ad

النمو يعود الآن إلى الاقتصاد العالمي والحكومة تفعل كل ما في وسعها لضمان أن ترتفع أسعار المساكن إلى الأبد. الأموال الرخيصة في كل مكان، سواء على شكل تسهيل كمي أو مبادرات من قبل «التمويل من أجل الإقراض». وسوق الأسهم مستقر، وسوق الاكتتابات العامة الأولية عاد إلى الحياة بقوة. ومن المفترض أن تكون هذه أياما تبعث النشوة لدى المصارف.

لكن إياك أن تستهين بقدرة الصناعة المصرفية على اقتناص الهزيمة من براثن النصر. ذكَّرَتْني الأسابيع القليلة الماضية بالمشهد قبل الأخير في فيلم «صائد الغزلان»، حين يعود مايك إلى فيتنام ويجد نيك لايزال يلعب الروليت الروسي. وتماما في الوقت الذي تعتقد فيه أن نيك ربما يتعرف على صديقه القديم ويعود إلى رشده، فإنه يسحب الزناد ويفجر رأسه.

حين نورد قائمة بجميع الجُنح التي ارتكبتها الصناعة وتم الكشف عنها في الأسابيع القليلة الماضية، نفهم السبب في أن بعض شركات إدارة الصناديق تقول إنها لن تستثمر أبداً في المصارف.

 

تلاعب في سوق العملات

 

وبدأ للتو التحقيق في إمكانية وقوع تلاعب في سوق العملات الأجنبية، وتم تجميد نشاط متداولين في بنك باركليز وخمسة مصارف أخرى. وإذا تبين أن هذه الادعاءات صحيحة، فمن الممكن أن تكون الغرامات والتكاليف القانونية أعلى حتى من الغرامات التي فرضت بسبب فضيحة الليبور.

وفي الولايات المتحدة وافق بنك جيه بي مورغان على دفع مبلغ هائل مقداره 13 مليار دولار لتسوية قضايا مرفوعة من حكومات الولايات والحكومة الفدرالية بخصوص ادعاءات بالغش في بيع أوراق مالية مدعومة بقروض عقارية.

وهنا في بريطانيا اعترف بنك «إتش إس بي سي» بأنه قدم نصائح مالية سيئة إلى الزبائن العاديين وخصص 149 مليون دولار من أجل التحقيقات، وتعويض الزبائن إذا لزم الأمر.

وأضاف «لويدز» مبلغاً آخر قدره 750 مليون جنيه إلى فاتورته المتصاعدة، بسبب الغش في بيع التأمين على الدفعات؛ وهذا المبلغ يُضاف إلى ثمانية مليارات جنيه في بنك لم يوزع أرباحاً على أسهمه العادية منذ عام 2008. و»رويال بانك أوف اسكتلاند» في وضع أسوأ حتى من ذلك. فقد قصَّرت نتائجه للربع الثالث بمسافة بعيدة عن التوقعات، وإنشاء «بنك سيئ» لتودَع فيه قروض خطرة مقدارها 38 مليار جنيه يبين لنا مدى بعد البنك حتى الآن عن الوضع الطبيعي. كذلك لاحظ أن ملكية البنك من قبل أعضائه ليست ضمانة على وجود الأمانة، أو الكفاءة. «رابوبانك»، وهو مؤسسة هولندية توظف في قسم المصرفية الاستثمارية 550 موظفاً فقط، تلقى ضربة قوية على شكل غرامة مقدارها مليار دولار لدوره في التلاعب في أسعار الفائدة بين المصارف. 

 

أخلاقيات الأعمال

 

وكما جرى توثيقه بصورة ممتازة في مقال آخر انظر مقال «أخلاقيات الأعمال ليست مجرد فعل الصواب»، في عدد الأحد العاشر من نوفمبر 2013، أفسد البنك التعاوني أنظمة تكنولوجيا المعلومات بداخله، ودخل فيما يبدو الآن أنها عملية اندماج سيئة للغاية، وفوق هذا كله حاول بالقوة أن يحول السندات إلى أسهم بناء على أحكام سيئة.

أليس من العجيب بعد هذا كله أن نتذكر أن بوب دياموند قال قبل ثلاث سنوات، وكان حينئذ الرئيس التنفيذي لبنك باركليز، أمام لجنة المالية في مجلس العموم إن «فترة الندم والاعتذار من قبل المصارف بحاجة إلى أن تنتهي؟».

جاء الاندفاع الأخير في أسهم المصارف قوياً ثم توقف بعد أن اهتز بعنف. وفي الأسبوع الماضي لفت نظري أحد مديري الصناديق الذين يكرهون المصارف، إلا أنه رغم كل الإثارة التي صاحبت قرار الحكومة بطرح جزء من حصتها في أسهم بنك لويد، إلا أن سعر السهم عاد فقط إلى ما كان عليه قبل ثلاث سنوات. وقال إن المصارف ربما تصلح لأن تكون مسرحيات تداول رائعة، لكنها ليست من الاستثمارات الموثوقة على الأمد الطويل – خصوصاً بالنظر إلى نطاق التغييرات التنظيمية في القطاع. وأضاف: «فيما يخص التنظيم، نعرف اتجاه السفر، لكننا لا نعرف وجهة الرحلة النهائية».

 

أسهم مطلوبة

 

ورغم جميع المتاعب التي تعانيها المصارف، تظل أسهمها مطلوبة بصورة كبيرة بين مستثمري التجزئة. وهي تعتبر بصورة منهجية من بين أكثر الأوراق المالية تداولاً على منصات التعامل بالأسهم التي يتم بيعها وشراؤها بناء على طلبات العملاء فقط. ويعود السبب جزئيا إلى كونها تركة ناتجة عن عمليات تحويل الشركات المشتركة «المملوكة لأعضاء معينين» إلى شركات مساهمة عامة في التسعينيات من القرن الماضي، وجزئيا أيضا إلى عدة حالات من الصعود الكبير في أسهمها.

لكن باستثناء البنك التعاوني، فإن المصارف غير المدرجة «حتى الآن» في البورصة تبدو أكثر جاذبية من المصارف المساهمة. بنك TSB، المؤلف من عدد كبير من الفروع من بنك لويد، الذي كان من المقرر أن يباع إلى البنك التعاوني، ربما يتم تعويمه في السنة المقبلة، وهناك حديث يدور حول اكتتاب عام أولي لبنك مترو أيضاً.

وهناك الذراع البريطانية للبنك الإسباني سانتاندر، التي تم تجميعها من ركام البنوك العقارية المنهارة وأعيد تركيبها بعيداً عن وهج الضوء القاسي المسلط على الشركات العامة. وقد أظهرت نتائج البنك للربع الثالث تقدماً واضحاً: ارتفع هامش صافي الفوائد، وتم تخفيض مخصصات القروض المعدومة، ولم يعد هناك مزيد من تكاليف تأمين حماية الدفعات، ونحو مليون زبون جديد سجلوا في عرضه الرئيس المميز للحسابات الجارية. ومن الممكن أن تطرح أسهم البنك للاكتتاب العام الأولي، ربما في 2015.

وتتمتع هذه المصارف بسمات جذابة، فهي بسيطة ويمكن فهمها بسهولة: قروض عادية إلى الأفراد والزبائن، معظمها من خلال أحد الفروع. ولا توجد تعاملات خطرة في المصرفية الاستثمارية أو هندسة مالية غريبة. وستأتي إلى السوق بدفاتر قروض نظيفة وتغطية كاملة لمطلوبات تأمين دفعات الديون -إذا كان لديها ذلك. ومن المرجح أن تتبع سياسات في توزيع أرباح على الأسهم ترتفع مع ارتفاع أرباح الشركة.

ربما يأتي يوم تبدو فيه جميع المصارف على هذا النحو. وإلى أن تفعل، عليك أن تعامل أسهمها بحذر. وربما تكون الحجرة التالية في المسدس هي الحجرة التي تحتوي على الرصاصة.

* (فايننشال تايمز)