حكاية «الغبية» سوزان بويل!

نشر في 16-02-2014
آخر تحديث 16-02-2014 | 00:01
 د. ساجد العبدلي السؤال هنا هو بعد كم محاولة ييأس الواحد منّا من تحقيق أحلامه؟ عند عمر كم يتوقف عن مطاردتها والسعي للوصول إليها؟! وكم مرة تخلينا عن طموحاتنا ظنا منّا أنها مستحيلة وعصية على التحقيق؟

عندما وقفت الاسكتلندية سوزان بويل ذات الخمسين عاماً تقريباً للمرة الأولى أمام لجنة التحكيم في برنامج المواهب البريطانية، بهيئتها الرثة المتواضعة، ولكنتها الإنكليزية القروية الثقيلة، سخر منها الجمهور وأعضاء اللجنة على حد سواء، وزادت سخريتهم عندما سألها سيمون كاول، عضو لجنة التحكيم، عن موهبتها وعمّن تريد أن تصبح مثله، فقالت الغناء وأريد أن أكون مثل: إلين بيج، والتي هي واحدة من أشهر المغنيات البريطانيات في حينه.

ولكن لم تكد تبدأ سوزان، ابنة عامل المناجم الفقير، بالغناء حتى أصابت الحضور جميعاً صاعقة من الدهشة عندما صدحت بصوتها الأوبرالي (الميزو سوبرانو) غير المتوقع. ختمت سوزان أداءها لأغنيتها "حلمت حلماً" والتي كانت قد اختارتها من المسرحية الغنائية الشهيرة "البؤساء"، على وقع تصفيق حاشد من لجنة التحكيم والجمهور جميعاً.

ما إن أذيعت الحلقة في التلفاز ثم وصلت إلى اليوتيوب، حتى وصل عدد مشاهدات فقرتها إلى عشرات الملايين من المرات، بعدما قامت شبكات التواصل الاجتماعي برفعها إلى قمة الشهرة، فتمكنت بعد مدة قصيرة من تحقيق أحد أحلامها بالغناء جنباً إلى جنب إلين بيج نفسها.

بعد مضي أربعة أشهر من ظهورها في البرنامج، تم إنتاج أول ألبوم غنائي لها بعنوان "حلمت حلماً" تيمنا بأغنيتها في البرنامج، ليقفز مباشرة ليكون الألبوم الغنائي الأول حول العالم ويحصد ما قيمته 5 ملايين يورو من المبيعات. واليوم تعد سوزان بويل واحدة من أشهر رموز الغناء الأوبرالي في بريطانيا والعالم، وتعادل قيمتها السوقية 22 مليون يورو، وتقضي وقتها متنقلة بين عواصم العالم لتقديم حفلاتها.

لم آتكم اليوم بقصة سوزان بويل اهتماما بمسيرتها الغنائية، وإنما لأنقلكم إلى صفحة أخرى من حياتها. لم تكن طفولة سوزان سعيدة أبداً، بل كانت متعثرة دراسياً، وكان المدرسون يعتقدون أنها متخلفة عقلياً، والطلبة يتهجمون عليها وينادونها "سوزان الغبية". وبعد سنوات مؤلمة خرجت سوزان من المدرسة بتقديرات ضعيفة، لتكون الوظيفة الوحيدة التي حصلت عليها في حياتها هي "مساعد طباخ"، وبالرغم من ذلك فلم تستمر فيها.

إلا أن عشق سوزان للغناء اتضح منذ الصغر، فقد كانت لا تتوقف عن التمرن وعن الغناء في كنيسة بلدتها، ومن ثم المشاركة في المناسبات الغنائية هنا وهناك، إلا أن هذا لم يستطع أن يحقق لها أي نجاح يذكر، حتى كان ظهورها في برنامج المواهب البريطانية بعد أكثر من عقدين من الزمان. ويعترف النقاد اليوم بأن صوتها وأداءها كانا رائعين من وقت طويل، وأن موهبتها لم تتفجر فقط في ذلك البرنامج، بل كانت موهوبة منذ أمد بعيد.

رسالتي في هذا المقال هي أن النجاح لا يهطل من السماء فجأة، وإنما هو تحصيل لحاصل كبير من التعب والجهد. سوزان بويل لم تيأس ولم تتوقف عن مطاردة حلمها على الرغم من بلوغها ذلك العمر المتقدم، واستمرت تسير نحوه بلا كلل أو ملل، حتى ابتسمت لها الأقدار بشكل غير متوقع فتحقق وكان لها ما تريد بل أكثر منه بكثير.

السؤال هنا هو بعد كم محاولة ييأس الواحد منّا من تحقيق أحلامه؟ عند عمر كم يتوقف عن مطاردتها والسعي للوصول إليها؟! وكم من مرة تخلينا عن طموحاتنا ظنا منّا بأنها مستحيلة وعصية على التحقيق؟

أعتقد أن حكاية "الغبية" سوزان بويل، وغيرها من المبدعين الذين لم ييأسوا وظلوا مصرين على تحقيق أحلامهم حتى اللحظة الأخيرة، يجب أن تجعلنا نعيد النظر!

back to top