"الآن نحن نعي جيداً أن المسألة تتمحور حول شراكات المؤسسة... ذلك هو النموذج... وهو يقتلنا"، هذا ما صدر عن نعومي كلاين بطلة حركة "احتلوا" المناوئة للرأسمالية عبر انتقادها القاسي لأسواق الكربون، والحوافز البيئية الخضراء، والعلاقات الوثيقة بين المؤسسات والجمعيات الخيرية التي انبرت لتقديم الدعم.

Ad

يمكن التعويل على الآنسة كلاين في مناصرة أي قضية تسبب إزعاجاً للشركات وأنشطة إدارة الأعمال، ولكن وجهة نظرها في هذه المناسبة تلتقي مع حملة أوسع تقف ضد الروابط التي تجمع بين الشركات والمنظمات غير الحكومية (NGOs).

الشراكة بين الطرفين أصبحت تشبه ممارسة فريق لتدريباته خارج الملعب: في السابق كانت المنظمات غير الحكومة تبدو شاذة وغريبة نسبياً بالنسبة إلى المؤسسات، لكن الآن لم يعد في وسع أي شركة تحاول الحفاظ على مظهر محترم الاستغناء عنها.

الهوة الواسعة

كشفت دراسة أعدتها شركة "سي أند إف" الاستشارية، حول الشركات الأوروبية متعددة الجنسيات والمؤسسات الخيرية البريطانية أن أكثر من ثلث الشركات تستثمر نحو 10 ملايين جنيه إسترليني أو أكثر في تحالفاتها الخيرية، وأن ما يقارب الثلثين تصنف مثل هذه الشراكات على أنها "استراتيجية" (أياً كان ما يعنيه ذلك المصطلح).

لكن ذلك هو حال الشراكات بين متضادين؛ فالشركات من جانبها تميل إلى الظن بأنها تقدم واجبها تجاه المجتمع من خلال طاعتها للقانون، بينما تريد الجمعيات الخيرية من ناحيتها القيام بالعمل الصواب. وفي حقيقة الأمر فإن المنظمات الخيرية تحب فعل الخير والحقوق بصورة عامة: الحق في الغذاء، والحق في مياه نظيفة، وغيرها من الأمور، أما الشركات فتفكر في الأسواق وليس في الحقوق.

الهوة بين الجانبين في اتساع، وتكشف شركة "سي أند إف" الاستشارية أن نسبة الشركات التي قالت إنها "واثقة جداً" أن شراكتها مع المنظمات غير الحكومية ستحقق أهدافها، قد منيت بهبوط حاد إلى نحو النصف خلال السنة الماضية. كما أن 40 في المئة فقط من المنظمات غير الحكومية تقول إن شراكتها قد غيرت تصرفات الشركات نحو الأفضل- أي أقل بعشر نقاط خلال سنة.

وجه الماضي القريب ضربات قاسية عدة إلى الجدوى والمزايا المتوقعة من هذه الصلات، ويوقع معظم الشركات مثل هذه الاتفاقات بغية تحقيق "سمعة طاغية" يصفها شكسبير بالقول: "لتبدُ بشكل جيد، سواء كان النشاط يستحق ذلك أم لا".

لكن الملايين التي دفعتها "بريتيش بتروليوم" إلى منظمات البيئة غير الحكومية الأميركية لم تسهم في منع اسم الشركة الجيد من التورط في وحل خليج المكسيك. وكان جون براون، الرئيس السابق لشركة "بريتيش بتروليوم" عضواً في واحدة من تلك المنظمات غير الحكومية- وقد أسدى ذلك له خدمة مهمة.

من جانبها، فإن الجمعيات الخيرية، وهي في أغلب الأحيان شريك متردد لأنها تخاطر بالتعرض إلى اتهامات بالخيانة، تشعر بالاستياء والضرر بسبب حادثين وقعا في أبريل الماضي؛ الأول، هو إخفاق سوق مبادلة الكربون في أوروبا. وتحشر منظمات غير حكومية مثل صندوق الدفاع البيئي أنفها عندما تقوم بحملة من أجل إيجاد آلية سوقية لأن الأطراف المنافسة في حماية البيئة، من أمثال الآنسة كلاين، تظن أن التخطيط المركزي العالمي هو السبيل الوحيد من أجل خفض مستويات الاحتباس الحراري العالمي؛ لذلك، فإن المحنة التي تتعرض لها خطة أكبر نموذج لمبادلة الكربون في العالم قد أحرجت كل مؤيديها وتركت المنظمات غير الحكومية NGOs المعنية بتلك القضية عرضة للحملات الهجومية بادعاء أنها تتوصل إلى تفهمات مع "شيطان الجشع".

أما الحادث الآخر، فتمثل بانهيار بناية المنسوجات المعروفة باسم "رانا بلازا" في بنغلاديش، وقد بذلت بعض أشهر المنظمات غير الحكومية في العالم جهوداً كبيرة من أجل تحسين سلاسل الإمداد في شركات صناعة الملابس مثل "بينيتون" و"الكورت إنغليز"، وبريمارك، "وول مارت". كانت المصانع الموجودة في بناية "رانا بلازا" تصنع الملابس لكل تلك الشركات، فإذا كان الموردون قد تغاضوا عن مثل تلك الانتهاكات المميتة لشروط العمل، فماذا كانت فائدة جهود الخير التي تتحدث عنها؟ وما الداعي إلى قيام جمعية خيرية بتكبد كل ذلك العناء؟ ولمَ لا تذهب فقط إلى متجر بريمارك الرئيسي في لندن وتعلن- مثلما فعلت حملة "وور إن وانت"- بأعلى صوت أن اللوم الأكبر لوقوع ضحايا يقع على عاتق الشركة؟

قاعدة الهرم

على أي حال، قبيل التوصل إلى استنتاج يفيد بفقدان قيمة الشراكات بين المؤسسات والمنظمات غير الحكومية أو أهميتها يستحسن أن نتذكر الأسباب التي دفعت إلى انطلاقها في المقام الأول. إن المنظمات غير الحكومية NGOs تساعد الشركات على الوصول إلى أجزاء من السوق لا تستطيع تلك الشركات بمفردها أن تبلغها.

وفي كتاب جديد بعنوان "عمل كل شخص" من تأليف جون ميلر ولوسي باركر، يرى المدير التنفيذي دينكان ليرماوث في شركة "جلاكسي سميثكلاين"، العالمية المتخصصة في تصنيع الأدوية، أن "ما تجلبه المنظمات غير الحكومية هو نظرة معمقة في قاعدة الهرم، السكان المهمشون... وهو فهم ليس متوافراً لدينا في العمل التجاري". وتعمل المنظمات غير الحكومية البيئية على مساعدة الشركات على تعضيد جهودها الرامية إلى خفض معدل التلوث والنفايات. وتقول شركة "بي أند جي"، أكبر شركة تغليف وتعليب سلع استهلاكية في العالم، إن المجموعات البيئية الخضراء ساعدتها على توفير حوالي مليار دولار من خلال "برنامجها المستدام" في السنوات العشر الماضية.

في العادة، يكون لدى المنظمات غير الحكومية قدرات أفضل من الشركات حيال اجتذاب الخريجين المثاليين المتفوقين: وتتيح تلك الشراكات إضفاء القليل من اللمسات الساحرة على الشركات (وفي حقيقة الأمر قد تكون ناجحة جداً بشكل تقريبي: بعض أقسام المسؤولية المؤسساتية الاجتماعية داخل الشركات يتم دعمها بموظفين لإدارة السياسات ممن كانوا نشطاء ودعاة ومناصرين يعملون لدى منظمات غير حكومية).

قد لا تستطيع الشراكات إنقاذ المؤسسات من الكوارث التي تضرب علاقاتاتها العامة مع العملاء أو المجتمع، مثلما حدث مع شركة "بي بي"، لكنها ربما تستطيع تحسين العلاقات مع الجهات والهيئات التنظيمية: وقد قام صندوق الحياة البرية العالمي WWF، وهي منظمة خيرية بيئية، بمساعدة شركة "كوكا كولا" على نزع فتيل نزاع مدمر في الهند، حيث أفضى في إحدى المراحل إلى طلب المحكمة العليا الهندية بأن تقوم الشركة بتقديم وصفتها الحقيقية التي لا تزال سرية.

استخدامات الشراكة

بالنسبة إلى المنظمات غير الحكومية أيضاً تعتبر الشراكات مع المؤسسات الكبرى ذات فائدة، فالمؤسسات توفر المال الذي تحتاج إليه كل المنظمات الخيرية، كما توفر أيضاً طريقة للتأثير في سلوك الملايين من الناس وتصرفاتهم. فهناك حوالي مليار ونصف المليار إنسان يقومون بزراعة وتصنيع الغذاء حول العالم- والمنظمات غير الحكومية التي تريد تحسين التغذية أو خفض الفاقد في الغذاء لا تحلم بالتأثير في سلوك مثل هذا العدد الكبير من الناس، لكن هناك ثمة قرابة 100 شركة تشارك في بيع ربع غذاء العالم، وتغيير المعايير التي تطبقها يمكن أن يؤثر بقدر يفوق ما تستطيع المؤسسات الخيرية تحقيقه بمفردها.

في نهاية المطاف، يتعين أن نشير إلى أن فوائد الشراكات لن تكون مطلقاً منتظمة ومتسقة وسلسة أو حتى مرضية في جميع الأحوال. هناك بعض التحالفات مصممة بعناية؛ لكن هناك العديد منها يفتقر إلى ذلك.

هناك بعض الشركات ملتزم بالفكرة؛ لكن البعض الآخر ليس كذلك.

كما أن المنظمات غير الحكومية تشبه الشركات ذاتها: فهي تسعى إلى الحصول على حصة في السوق؛ إذ تتنافس من أجل حصص أكبر من الإسهامات.

بعض المنظمات، مثل صندوق الحياة البرية WWF، يريد التعامل مع الشركات والدخول معها في شراكات، أما البعض الآخر، مثل منظمة "غرينبيس" (السلام الأخضر) لا تريد ذلك. قلة، مثل منظمة "أوكسفام"، تريد الأمرين معاً- فهي تحمل على الشركات تارة وتسدي لها النصح تارة أخرى.