الأغلبية الصامتة: تعلموا من عُمان
نحن أحوج ما نكون للفرح واللهو البريء في بلد تعتبر تجارة الفرح فيه كاسدة، والبر من الأماكن القليلة التي تبهج النفس وتبعدها عن الهم والتعب، لقد خسرنا البحر الذي حجبت أفضل سواحله عن الناس العاديين ولم يبق لدينا غير البر، فهل نخسره هو الآخر تحت وطأة الأنانية والاتكالية وقلة الوعي بسلامة البيئة؟
دق صقيع الشتاء أبوابنا وعظامنا منذ أيام معلناً بداية موسم "التخييم" والاستمتاع بالبر وشواء الكستناء فوق "دوة" النار، وقضاء الأهل والأصدقاء أجمل الأوقات تحت السماء المفتوحة وبعيداً عن حياة مكعبات الأسمنت.البر في الكويت وبعيداً عن التجهيزات المريحة من تأثيث وبناء، تحول موسم "التخييم" فيه إلى كارثة بيئية سنوية تضاف إلى سجل الانتهاكات اليومية للبيئة والنظافة في الكويت بسبب تعمد الناس رمي كل مخلفاتهم وعدم تخلصهم منها بطريقة صحيحة، المسؤولية هنا لا تقع بالدرجة الأولى على المواطن الذي يجب أن يحرص على نظافة موقع التخييم كما يحرص على نظافة المكان الذي يسكن فيه، والدولة ليست مسؤولة عن وضع حاوية نفايات بجانب كل خيمة وملاحقة أصحاب المخيمات في "بران" الكويت للتنظيف خلفهم.
الأمر الإيجابي هو التطور في الوعي البيئي لدى بعض المواطنين خصوصا الصغار منهم، وزيادة فعالية الجهات الرسمية المعنية والمبادرات الأهلية، على سبيل المثال توزيع أشجار السدر على أصحاب المخيمات لزراعتها وتوسيع المساحة الخضراء ومشروع زراعة مليون نخلة الذي انطلق بشكل جيد ثم تعثر مؤخراً، ولكن أصحاب المبادرة ما زالوا يأملون مواصلة مشروعهم البيئي. في سلطنة عمان عام 2008 وتحديداً في المناطق المحيطة بالجبل الأخضر في صلالة، رأيت مواقع التخييم وتجمعات الناس المنتعشين بأجواء خريف صلالة على ضفتي الطريق المؤدي للجبل الأخضر، ولاحظت مدى تنظيم المخيمات وترتيبها بطريقة أثارت فضولي، وسألت كيف يتم "التخييم" في هذه المنطقة القريبة من الجبل الأخضر؟يتم تحديد مناطق التخييم ولا يجوز التخييم خارجها، خاصة أن سلطنة عمان تضم مناطق جميلة تتم معاملتها كمحميات، يقوم المواطن بحجز مخيمه ولا أعلم إن كان الأمر يتم بالقرعة أو بالدور، ولكن عندما تحدد منطقة ما لفلان فهي تصبح محجوزة له ولفترة زمنية محددة، يدفع المواطن مبلغاً من المال كتأمين يسترجعه إذا سلم الموقع المخصص له كما استلمه تماماً، أما إذا ترك المكان "خرابة" كما يفعل بعض الناس عندنا، تقوم البلدية نيابة عنه بتنظيف المكان ودفع أجرة عمال النظافة من مبلغ "التأمين" وليس من أموال الدولة.وأرجو ألا يعتقد أحد أني أطالب بتنظيم موسم التخييم عندنا على النمط العماني، فأنا أعلم بالحال لأن كل ما "نطقها عويا"، فتحديد مناطق التخييم سيعني ظهور فئة جديدة للتحدي وكسر القانون، والقرعة أو الدور تعني وضع ستين واسطة وواسطة لحجز موقع "مخيم" على ثلاثة شوارع، أو يجد شخص ما أن حجزه قد ألغي في آخر لحظة لعدم تأكيد الحجز، والحقيقة أنه خسر موقعه بسبب مسؤول "ضبط" قريب أو صديق له قرر التخييم قبل أن ينام بالليل.في الختام نحن أحوج ما نكون للفرح واللهو البريء في بلد تعتبر تجارة الفرح فيه كاسدة، والبر من الأماكن القليلة التي تبهج النفس وتبعدها عن الهم والتعب، لقد خسرنا البحر الذي حجبت أفضل سواحله عن الناس العاديين ولم يبق لدينا غير البر، فهل نخسره هو الآخر تحت وطأة الأنانية والاتكالية وقلة الوعي بسلامة البيئة؟