تعلم الأوكرانيون هذا الأسبوع أن بلادهم تقع حقاً على خط صدع بين حضارتين، وهذا لا يعني أنهم أمام "صراع حضارات" أو نزاع ديني من النوع الذي تنبأ به ذات مرة صموئيل هانتينغتون: وصفت أوكرانيا بشكل أصح على أنها دولة تقع بين حضارة مؤسسات وحكم القانون، حسبما يشير الاتحاد الأوروبي، وحضارة الحكم الاستبدادي الذي يجسده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

Ad

ونزاعهم ليس حقاً "صراعاً" أو معركة ضمن أي مفهوم تقليدي، فعلى الرغم من أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد يقررون بعد مداولات طويلة ومعقدة نشر قوات عسكرية مشتركة في بعض الأوقات، فإن تلك حالة نادرة وغير معتادة، ومع أن الاتحاد الأوروبي غني جداً، وهو بصورة إجمالية أكبر اقتصاد في العالم، فإن هناك قوانين وإجراءات تحكم أمواله النقدية، التي لا يمكن أن توزع على عجل، وتحكم أيضاً حقوق استخدامه لأدوات المقاطعة التجارية.

بمعنى آخر، لا يستطيع الاتحاد الأوروبي عرض النوع الأكثر إغراء من الجزرة في علاقته مع جيرانه، كما لا يمكنه استعراض عصا مؤثرة، وبدلاً من ذلك يستطيع أن يقترح اتفاقية مشاركة ثنائية معتدلة وغير دراماتيكية تستهدف تحسين التواصل والحوار والتجارة على نطاق أوسع. وقد أخبرني رئيس جمهورية استونيا أن اتفاقية المشاركة التي وقعتها بلاده في سنة 1995 كانت معتدلة إلى درجة لم يكن لها سوى أثر مباشر ضئيل، وقد ظهر التغير الحقيقي بعد سنوات فقط. في البداية تمكن الآلاف من أبناء أستونيا فجأة من الدراسة في الجامعات الأوروبية، وقد أصبح أولئك قادة في الوقت الراهن لدولة أكثر ازدهاراً.

وطوال خمس سنوات كان الاتحاد الأوروبي يجري مفاوضات مع أوكرانيا حول اتفاقية مماثلة، وتشتمل هذه الاتفاقية على بنود حول حقوق النشر، وتسجيل براءات اختراع، وحل النزاعات التجارية، وبشكل إجمالي تتسم بالضجر اللافت، لأن حكم القانون مضجر على الدوام في سعيه لتفادي النزاع.

وقبيل ما كان سيشكل الاحتفال النهائي للتوقيع في فيلينوس، ليتوانيا، هذا الأسبوع قرر الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش أنه يفضل الدراما، فقد علق في الأسبوع الماضي وبصورة مفاجئة كل مفاوضات اتفاقية المشاركة. واستنتج عديدون بالخطأ أن ذلك يرجع إلى طلب الاتحاد الأوروبي من يانوكوفيتش إطلاق سراح رئيسة الوزراء السابقة يوليا تايموشينكو، وهي الخصم السياسي الرئيس له، وفي حقيقة الأمر فإن تايموشينكو قد طلبت ألا يؤثر مصيرها في الحصيلة النهائية.

وبدلاً من ذلك تخلت تايموشينكو عن خمس سنوات من المفاوضات في أعقاب اجتماع مع بوتين، وهو سياسي يلعب لعبة مختلفة وفقاً لقواعد مختلفة، وخلافاً للاتحاد الأوروبي فإن بوتين يتمتع بعصي كثيرة يمسكها في يديه: فقد فرض مقاطعة تجارية منذ شهر أغسطس الماضي. وخلافاً للاتحاد الأوروبي يعرض بوتين الجزرة: فقد ألمح الى أسعار أدنى للغاز، وربما عرض أشياء أخرى. وخلافاً للاتحاد الأوروبي فهو يستطيع تغيير سياسته فجأة: وعلى الرغم من موافقته الضمنية على عملية التفاوض هذه قبل سنوات عدة توصل بوتين إلى استنتاج مفاده أن المعاهدة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي تمثل إذلالاً لروسيا وفقدانا شخصيا لماء الوجه". وربما يتصور أيضاً وجود خطر اقتصادي وعقائدي: لأن تحول أوكرانيا إلى دولة تخضع لحكم القانون سوف يجعل منها سوقاً أكثر صعوبة بالنسبة إلى الشركات الروسية الراغبة في تحقيق تعامل فوق القانون. فأوكرانيا التي تحكمها مؤسسات وليس أفرادا قد تبدو أيضاً مثل بديل جذاب بالنسبة إلى الروس المستائين والناقمين.

وفي أعقاب ذلك الاجتماع مع بوتين غيرت أوكرانيا تكتيكاتها، وبدأ  يانوكوفيتش البحث عن جزرة أوروبية لا وجود لها، وطلب رئيس الوزراء مايكولا أزاروف اتفاقية أفضل من صندوق النقد الدولي، وهو منظمة أخرى ذات قوانين، وإجراءات ومديرين لا يسعهم سوى مشاهدة فشل أوكرانيا المتواصل في تنفيذ الإصلاحات السهلة الأولية. وبشكل فعلي طلب يانوكوفيتش يوم الأربعاء أيضاً 160 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي، لكنه استخدم لغة الإهانة الشخصية، حيث قال إن الاتحاد الأوروبي "أهان" أوكرانيا من خلال عرضه المثير للشفقة: "نحن دولة رزينة وجادة".

لكن المشكلة هي أن تلك ليست الطريقة التي تتفاوض بها دولة جادة مع منظمة تضم 28 عضواً، وتعنى أجهزتها البيروقراطية بعمق بأنظمة حقوق نشر مقبولة بصورة مشتركة ومتبادلة. وربما كان على الاتحاد الأوروبي أن يتعلم القيام بدور أكثر عدوانية، وأن يشن حروبه التجارية الخاصة ضد بوتين. وربما يؤدي تحول أوكرانيا الدراماتيكي، الذي جاء عقب التغير المفاجئ في الموقف الأميركي، إلى إرغام  قادة الاتحاد الأوروبي على تعلم تكتيكات جديدة... لكن ذلك غير ممكن في الوقت الراهن.

عشرات الآلاف من الأوكرانيين الذين نزلوا إلى شوارع العاصمة كييف احتجاجاً على قرار رئيسهم، يفهمون بشكل واضح فوائد اتفاقية تجارية باهتة مع الاتحاد الأوروبي، وهي عميقة وطويلة الأجل، وتشمل تغيرات بطيئة وليس نقداً على الطاولة. ولسوء الحظ يجد هؤلاء الأوروبيون الأوكرانيون أنفسهم رهناً لقيادة رجال سياسة لا يفهمون طبيعة حضارة الاتحاد الأوروبي- أو أن حظوظهم الشخصية والمالية في النظام الحالي كبيرة إلى درجة تمنعهم من المحاولة.

* آن أبلبوم | Anne Applebaum