يذهب الأمير إلى قصر {كسرى أنوشروان}، فيعيده إلى عرشه، بعدما خاض المعارك هو وأبناؤه ضد الظلم الفارسي الذي وقع على العرب، واحتفظت به الذائقة الشعبية العربية، قروناً طويلة، في هذه السيرة المدهشة، المليئة بالدسائس والخطط والمعارك والأسلحة والجواسيس والدماء، مثلما تمتلئ بالكائنات التي تطير، والمدن المرصودة والأشباح.

Ad

قال الراوي، إن الأمير حمزة اجتمع مع الأمراء والأبطال، فسألوا {عمر العيار}، عن الوزير {بختيار}، و{الخوند} و{ياقوت}، فأجابهم أنه لم يقف لهم على خبر، فتكدر الأمير من ذلك، وقال للوزير {بزرجمهر}: {أبسط لنا الرمل لنرى أيها الوزير الحكيم أين ذهبوا، وإذا كان يمكننا اتباعهم}.

وهنا امتثل {بزرجمهر} وزير الملك الفارسي {كسرى أنوشروان}، وبسط الرمل ونظر إليه ساعة من الزمان، ثم رفع رأسه وقال: {اعلم أيها الأمير إننا من الآن وصاعداً لا نحتاج إلى أن نباشر حرباً ولا قتالاً لأننا سنظفر بأعدائنا الهاربين، بأسهل طريقة، وقد ظهر لي، أيضاً، أنهم قربوا من هذه المدينة، في ساعة مقتل {آفة الرقاب}، قاصدين مدينة {جابرصة} العظيمة، وأن الحاكم عليها هو ملك عظيم جليل، ذو قدر وشأن، يعبد الله سبحانه وتعالى دون غيره، وسيكون لنا من أوفى المحبين}.

قال الراوي: ثم سُرّ الأمير حمزة، لما سمع نبوءة الوزير، وعزم على أن يسيروا في اليوم الثاني، لأن هذه المدينة لا تبعد أكثر من يومين عن مدينة {العبيد}.

ولما أشرق الصباح، هبوا من الرقاد وأسرعوا إلى الجياد فامتطوها وأقلعوا عن تلك المدينة، بعدما غادروها قاعاً صفصفاً ينعق فيها البوم والغربان، وساروا بذلك السر الوسيع بطول البيد، يجوبون الفلوات، والأمير حمزة في مقدمة الجيش، وعلى يساره الشيخ الطبيب والوزير {بزرجمهر}، وأولاده، وعلى يمينه زوجته {مهردكار} وأخوها كسرى، وهو أشد الناس طرباً وسروراً.

وأما ما كان من أمر {بختيار} ورفيقه، فإنهم بعدما خرجوا من مجلس {آفة الرقاب}، ومعهم كسرى أنو شروان، ناموا تلك الليلة وهم يأملون في النصر، ولما أشرق الصباح افتقدوا {كسرى} فلم يجدوه، فعلموا عندئذ أنه هرب إلى العرب ولحق بهم، تكدَّر {بختيار} ففرك الخاتم واستحضر المارد، وطلب منه الذهاب في الحال إلى معسكر العرب، ليعود بكسرى أينما وجده، فأجابه المارد قائلاً: {لا أقدر يا سيدي على القيام بذلك، لأني لا أستطيع الدخول إلى معسكر العرب، بقصد الضرر بهم والاعتداء عليهم، خوفاً من {اسما بري} وبأسها}.

تكدر {بختيار} لذلك، وأوصى {الخوند} وابنه {ياقوت} بكتمان هذا الخبر، عن {آفة الرقاب}، خوفاً من أن يسيء بهم ظنه، فصبر إلى أن خرج {آفة الرقاب} إلى معمعة القتال، فوقفوا على الأسوار بحيث يشاهدون كل ما يحصل بينه وبين العرب، وحين رأوا مقتل {آفة الرقاب} العجيب، الذي فصم ظهورهم وقطع حبال أملهم، هربوا إلى خارج المدينة من الجهة الثانية، وهناك تشاوروا في ما يجب عمله وإلى أين يسيروا.

وكان {بختيار} عالماً بوجود مدينة تسمى {جابرصة}، وسكانها لا يعبدون غير الواحد الصمد، فساءه ذلك جداً، ولكنه علم أنه لا يقدر أن يلتجئ إلى غير هذه المدينة، فإن أصاب نجاحاً كان خيراً، وإلا فيرجع برفيقيه وينتقلون كل يوم من مكان إلى مكان، إلى أن يدركهم الحمام.

قال الراوي: منذ عزم {بختيار} على إجراء ما ارتآه، استحضر المارد، وأمره بأن يحملهم جميعاً ويطير بهم إلى مدينة {جابرصة} الشهيرة من دون أدنى تعويض، فأطاع المارد بكل خضوع، وحملهم على كاهله وطار بهم في طبقات الجو، حتى أصبحوا ينظرون إلى الأرض فيرونها قطعة صغيرة مستديرة، مثل الهالة، واستمروا على هذه الحالة، حتى أشرفوا على مدينة {جابرصة}، وخطا المارد خطوة واحدة فوق أسوارها فصرخ من الألم ورجع إلى الوراء، فسقط بهم في سهل المدينة وقد وقع على الأرض مغشياً عليه.

هنا أصيب {بختيار} بالهلع، وظن أنه مات، وتعجب من ذلك غاية العجب، فاقترب منه ووضع يده على قلبه، فأحس بحراك ضعيف فأشرق في وجهه عند ذلك شعاع الأمل، وأتى بماء فرشّ على وجهه وصبر عليه برهة وجيزة، فاستيقظ المارد من سباته المرعب ثم نظر حوله بطرف شاخص باهت، فسأله بختيار قائلاً: {ويلك وما حصل لك حتى عدلت عن الدخول بنا إلى البلد ورجعت بهذه الهيئة مغمياً عليك؟}. فأجابه المارد: {اعلم يا سيدي أن هذه المدينة العظيمة، كان يسكنها من قديم الزمان ملك عظيم الشأن، وكان يعبد الله ولا يطيق النظر إلى عبادة الأوثان، أو عبادة النار، وكي يمنع دخولهم إلى مدينته جعل عليها هذه الأرصاد، التي لما شممت رائحتها أغمي علي ولو تقدمت خطوة واحدة لكانت حرقتني}.

فتعجَّب {بختيار} من ذلك، وقال له: كيف يمكننا أن ندخل المدينة ونحن، كما تعلم، من عُبَّاد النار؟} فأجابه أن ذلك أمر سهلٌ جداً، وهو أن تتظاهروا بعبادة الله لانهم من الإنس، لا سلطة للأرصاد عليكم، وأما أنا فكوني من الجان لا أستطيع دخول المدينة، حيث شاهدتَ ما فعلت بي الأرصاد}.

كذبة {بختيار}

صدَّق {بختيار} كلامه، وجلس مع رفيقيه قرب أبواب المدينة، التي كانت في هذه الساعة موصدة، وهو في منتهى الكآبة والحزن، وبينما هو على هذه الحالة مع رفيقيه، إذ فُتحت أبواب المدينة وخرج منها شاب جميل الطلعة رشيق القوام مُشرق الوجه، وعليه من الملابس الفاخرة الثمينة ما يكلّ عن وصفها اللسان، وكان بين يديه كثيرٌ من الخدم والحشم، فتقدم {بختيار} وسأل، فعرف أنه ذلك الشجاع البطل، الشهير بالوفاء والكرم، ابن أخت الملك {جابور}، ملك هذه المدينة، فقال بلهجة كئيبة حزينة، تحمل أشد الناس قساوة على الشفقة لحاله: {أستحلفك باسم الله الأعظم، أيها البطل الشهير، أن ترثي لحالتي وتجيرني، ممن اعتدوا عليّ ظلماً وطردوني من بلادي قهراً، ولم يكتفوا بذلك كله حتى أدركوني في مدينة {العبيد}، فهربت منهم وبقيت سائراً حتى وصلت إلى هذا البلد الأمين، وها هم مجدّون في البحث عني، قادمون في أثري، فأجرني منهم أجارك الله}.

تأثر البطل، ابن أخت ملك المدينة، لكلام {بختيار} وكان شجاعاً كريماً رقيق الأساس، محباً لعمل الخير، وسأله عن قصته وكيف حدث له ذلك، وأخذ يلفق له أحاديث كاذبة، مآلها إظهار أنه من أشقى الناس، بعبارات تؤثر في الحجر القاسي، فطيَّب ابن أخت الملك قلبه ووعده بأنه سيكون له خير مجير، وسينتقم له من عدوه، ولو كان من أشد الناس بأساً، وفي الحال أدخله ورفيقيه المدينة، وذهب بهم إلى خاله الملك {جابور} وحكى له قصَّتهم بالتمام.

وكان الملك جابور حكيماً عاقلاً هذبته التجارب، وعلمته السنون، فلم تنطلِ عليه حيلة {بختيار}، وعلم من هيئته وكلامه أنه خؤون مخادع، فأظهر له كل بشر وإيناس، وأفرد لهم محلاً في قصره ووضع عليهم الجواسيس، ولم يدعهم يعلمون شيئاً من ذلك، وكان مراده أن يحافظ عليهم إلى أن تحضر جيوش العرب، فيفحص المسألة بالتروي، فإن كانوا محقين دافع عنهم وحماهم من مُطارديهم، وإن كانوا خائنين سلمهم إلى العرب وكفى العالم شر أذاهم.

وأما ما كان من العرب، فما زالوا يسيرون مدة يومين، حتى أشرفوا على مدينة {جابرصة} وهناك أناخوا بسهلها وكتبوا إلى {الملك جابور} ما يأتي:

{بسم الله العادل الكريم

من أمير العرب حمزة البهلوان إلى الملك {جابور} العظيم، وحاكم مدينة {جابرصة}، أما بعد، أيها الملك العظيم، فإننا علمنا أن {بختيار} و{الخوند} وابنه {ياقوت} التجأوا إليك، وادَّعوا كذباً بأنهم من عبَّاد الله، وما هم إلاّ مجوس كفار، لا يعبدون غير النار ذات اللهيب، وقد قتل الكثير من أبطالنا بسببهم، فنحن مُجدون الآن في أثرهم، لنثأر منهم لأبطالنا ونريح الأرض من ثقل جورهم}.

وقال حمزة في رسالته إلى الملك {جابور}: {قبل أن يأتوا إليك، انضم إلى {بختيار} ومن معه سيدهم وملك الأعجام {كسرى أنوشروان}، و{بختيار} هو وزيره الماكر، الذي هرب في الليلة السابقة وأتى إلينا مظهراً ندمه على ما مضى، فصفحنا عن إساءته وقبلناه مكرماً عزيزاً، أما وقد علمت شيئاً عن مكرهم وخداعهم، فأرجو منك أن تتكرم علينا بتسليمهم والقبض عليهم لنجازيهم على ما فعلوا والسلام}.

ثم أخذ {عمر العيَّار} الكتاب، وانطلق يعدو إلى جهة المدينة حتى بلغها. استأذن الحراس ودخل واستعلم عن قصر {الملك جابور}، فذهب إليه ودخل إلى حيث كان الملك جالساً على كرسي مرصَّع بالجواهر، يحيط به الأمراء وأعيان المدينة، وبين يديه الخدم، وهو شيخ جليل بلحية طويلة بيضاء مسترسلة إلى صدره، فاقترب منه {عمر العيار}، بعدما قدم له فروض الاحترام، وأعطاه ذلك الكتاب من الأمير حمزة، ففتحه الملك {جابور}، وقرأه وعرف رموزه ومعناه، ثم تذكر برهة ورفع رأسه وخاطب عمراً قائلاً: {عُد أيها الرسول إلى مولاك، واقرأه عاطر سلامي، ثم قل له إن الجواب سيصله بعد ساعة من الزمن}.

المارد

علم الملك {جابور} بكل شيء وتحقَّق من صدق الأمير حمزة فلم يشأ أن يضايق {بختيار} في السؤال، بل قال له: {اعلم يا بختيار أن ذلك الكتاب الذي أتاني الآن هو من الأمير حمزة وهو يخبرني فيه أنكم من عباد النار، وأنكم قد اعتديتم عليه، وكنتم السبب في قتل أبطاله وكثير من فرسانه، وهو يطلب إليّ تسليمكم، لتأخذ العدالة فيكم مجراها، أما أنا فسأضعكم هنا تحت الحفظ والمراقبة، وأذهب بنفسي إلى الأمير حمزة، فألاقيه وأدخله مدينتي مع أمرائه وأبطاله، بكل ترحاب وإكرام، ثم أجمعكم سوياً في هذا المجلس أمام الرؤساء والأعيان، ويظهر كل منكم حقه}.

فهلع قلب {بختيار} لهذا الفشل غير المُنتظر، وكاد يقع على الأرض من الخوف، لكنه سرعان ما تذكر {الخاتم} الذي معه، فرُدَّت إليه قواه، واكتسب شيئاً من الشجاعة، قبل أن يقول: {افعل ما تشاء أيها الملك، وإني أوقن بأنني سوف أحظى بمزيد العناية والالتفات}.

لم يحفل الملك {جابور} بكلامه، بل أمرهم بأن يذهبوا إلى المحلات المعدة لهم، فذهبوا، وعند ذلك أوقف عدداً غير يسير من الحراس لمراقبتهم، وأوصاهم بأن يمنعوهم من الخروج، فامتثلوا لأوامره ووقفوا على أبواب الغرف بمزيد اليقظة والاهتمام. أما الملك جابور، فأخذ ابن أخته البطل الصدام، وبعضاً من وزرائه وبطانته، وخرج وفي نيته مقابلة الأمير حمزة والاجتماع به، فأرسل بعض الجنود إلى معسكر العرب، ليعلمهم بقدومهم إليهم، ولينبِّههم إلى ذلك، ولم يزل يمشي وهو في تمام الزينة والزهو، حتى وصل إليهم فوجدهم مستعدين لمقابلته بوجوه باسمة وبالملابس الرسمية، فاستقبله الأمير حمزة بترحاب وإكرام.

ثم جلسوا ودار بينهم حديث عن {بختيار} ورفيقيه، فروى الملك للأمير حمزة عن {بختيار}، وما فعل بهم، وكيف وضعهم تحت الحفظ، وروى له الأمير حمزة عن بختيار ومكره، ثم عرفه إلى الملك كسرى، وشرح له كسرى طويلاً عن غدر وزيره {بختيار}، ثم جلسوا برهة وجيزة، بعد ذلك نهضوا جميعاً يقصدون دخول المدينة والاجتماع بالوزير {بختيار}.

وحين بلغوا المدينة دخلوها، وعندما اقتربوا من القصر، نظر إليهم {بختيار} وكان في انتظارهم ليخطف {كسرى}، ويذهبوا سوية فيذيقه أمر أنواع العذاب، ولم يرغب في اختطافه عندما شاهده، بل عزم على أن يصبر إلى أن يجتمعوا في المجلس، فيختطفه ويذهب وإياه ويحرق بذلك قلب الأمير حمزة على فراره، بعدما كاد يظفر به.

وعندما وصل {الملك جابور} وبطانته والأمير حمزة، وأصحابه إلى القصر، دخلوا إلى غرفة كبيرة واسعة، وجلس كل في مركزه حسب مقامه، وعند ذلك استدعوا {بختيار} ورفيقيه، فحضروا وعندما دخلوا ورآه الأمير حمزة قال له: {كيف رأيت ذلك يا {بختيار}... هل نفعك الغدر والمكر وهل علمت أن الأمير حمزة لا تقف الموانع أمام تنفيذ غايته}.

قال له {بختيار} مستهزئاً بصوت عظيم ارتجَّت له جوانب الغرفة وانتصب المارد وصرخ في {بختيار} قائلاً: {يا لك من خائن}، ثم التهب جسده وصار كشعلة من نار ولم يلبث بضع ثوان حتى صار كومة رماد، وعند ذلك سقط الخاتم من يد {بختيار}، وقد بطل نفعه.

عودة كسرى إلى عرشه

قال الراوي: {مفعول المارد قد انتهى بسبب فعل الأرصاد، الموجودة على باب المدينة، التي أحرقت المارد عند دخوله، فسقط {بختيار} مغشياً عليه، عندما علم حقيقة الحال، فانقض عليه {عمر العيار} وشد منه السواعد، ثم كتف رفيقيه، اللذين كانا واقفين كالأصنام، وبعد ذلك أقاموا في تلك المدينة العامرة ثلاثة أيام حسبما طلب إليهم الملك جابور ثم استأذنوا في الرحيل فأذن لهم.

وخرجت جيوش العرب من مدينة {جابرصة} يتقدمها الأمير حمزة، وعلى يمينه ويساره زوجته وأحبابه وبأولاده، وأمامه {عمر العيار}، يقفز كالغزال ويسوق ثلاث بغال، كان مشدوداً عليها {بختيار} و{الخوند} و{ياقوت}، وقد خرج لوداعهم الملك {جابور}، وابن أخته، ومشيا معهم نصف النهار، والأمير حمزة يشكرهما على لطفهما ومعروفهما، حتى إنه أوقفهما عن السير رغم رغبتهما الزائدة، وإلا عليهما أن يرجعا، فودعوا بعضهم ورجعا إلى المدينة، وهما مُعجبان ببأس الأمير حمزة.

أما جيوش العرب، فتابعت السير ليل نهار، مدة شهر كامل، حتى وصلوا صباح اليوم التالي إلى مدينة {الدواليب}، وكان الوزير {عبد الله} علم بقدومهم، فخرج إلى لقائهم ثم فتح لهم أبواب المدينة فدخلوها آمنين، وسلموا على الوزير {عبد الله}، وأقاموا عنده ثلاثة أيام ليرتاحوا من مشقّة السفر الطويل، وبعد ذلك ودعوا الوزير {عبد الله}، وخرجوا من مدينته قاصدين مدينة {السبائل}، فخرج معهم الوزير لوداعهم ثلاثة أيام، ثم أقسموا عليه أن يرجع فرجع، ووصلوا بعد بضعة أيام إلى {السبائل}.

 وفي مدينة {السبائل} نصبوا لـ {بختيار} و{الخوند} وابنه مصلباً فصلبوهم وعلقوهم عليه، ثم رجموهم بالحجارة ورشقوهم بالنبال، حتى صارت النصال تتكسَّر على النصال قبل أن تصل إلى أجسادهم، وداموا على المصلب ثلاثة أيام وثلاث ليال، وأمم كثيرة كعدد النجوم تتفرج عليهم، وما منهم إلاَّ من يلعنهم ويبارك من أماتهم هذه الميتة الشنعاء.

وفي اليوم الرابع، أقام الأمير حمزة على مدينة السبائل ملكاً من سكانها، بعدما جمع أعيان المدينة وأمرهم بالطاعة له والرضوخ لأوامره، وأقلع عن تلك المدينة بجيوشه العظيمة، التي ضاقت دونها واسعات البيد، وما زالوا يسيرون حتى وصلوا إلى {المدائن} فتهلل الملك {كسرى أنو شروان} وطربت {مهردكار} بالعودة إلى وطنها العزيز ومشاهدته ثانية.

وكان المتملك عليها أثناء غياب كسرى، رجلاً أديباً عاقلاً أقامه الشعب لما رأوا فيه من الحكمة والدراية، فخلعه الأمير حمزة البهلوان وأرجع الملك {كسرى أنوشروان} صاحب التاج والإيوان إلى ملكه، وكان الشعب قد سر بعودة ملكه، فكان ذلك اليوم حافلاً، وقد زينوا المدينة وأصبحت في الليل كأنها شعلة نار، لكثرة المصابيح والشموع المضيئة.

دنا البين وآن أن يتفرق العرب بعد طول ألفة، فأعلنوا ذلك بين بعضهم، وهم في مزيد الكدر لهذا الفراق، فخصصوا نهاراً قاموا به جميعاً ما بين الرياض الزاهرة والخمائل النضرة، وصرفوه ما بين أنس وسرور، وقد راق المدام واعتل النسيم، لاعتلال رقة شكواهم الفراق، وصفاء الماء الزلال لصفاء دموعهم، التي كانت تهطل كالسيل لهذا البعاد، وفي اليوم التالي استعدوا للرحيل فودعوا الأمير حمزة وأولاده وأصحابه، وذهب كل إلى بلاده، وهو في غاية الحزن والكآبة لهذا الفراق.

أما الأمير حمزة البهلوان فأقام مدة وجيزة عند الملك {كسرى أنوشروان} حسب طلب مهردكار، التي كانت تود أن تقيم تلك المدة في بلادها، وفي البيت الذي شبت فيه، بعد ذلك ودعوا الملك {كسرى أنوشروان} وذهب الأمير حمزة البهلوان بزوجته والشيخ الطبيب وبنيه والوزير بزرجمهر ومعسكره وجنوده إلى مكة المكرمة، حيث أقاموا بكل صفاء وأنس وراحة وسرور، إلى ما شاء الله.

الأخيرة

الأمير حمزة البهلوان (9- 10) بديع الزمان يقهر جيش «بهران» بمساعدة والده

يُحكى أن... الأمير حمزة البهلوان (8- 10) العرب يشترطون على كسرى تسليم وزيره

الأمير حمزة البهلوان (7- 10) أصغر أبناء حمزة يقتل أعظم فرسان كسرى

الأمير حمزة البهلوان (6- 10) سلام محفوف بالخطر بين العرب والفرس

الأمير حمزة البهلوان (5- 10) الأمير حمزة يتزوج ابنة ملك الفرس

يُحكى أن... الأمير حمزة البهلوان (4- 10) جنود حمزة يستولون على ذخائر الفرس

الأمير حمزة البهلوان (3- 10) ابنة النعمان تحارب الأمير وتقتل أحد رجاله

الأمير حمزة البهلوان (2 - 10) حمزة يصارع الأسود في طريقه إلى {الحيرة}

يُحكى أن... الأمير حمزة البهلوان (1 - 10): ملك الفرس يفقد عرشه في {المنام}