{آخر المحظيات}... رواية الذات والأنثى المضطهدة
صراع بين امرأتين على تقمص شخصية شهرزاد في غياب شهريار
احتفت الأوساط الأدبية المصرية برواية «آخر المحظيات» (عن {دار الكتاب العربي}) للكاتبة سعاد سليمان، وتتناول سيرة بطلتها «زينة} واكتشافها خيانة زوجها بعد رحيله، وتستحضر تاريخ {المحظيات} من خلال آزمنة متشابكة، وتناغم بين العالم الافتراضي والواقعي.
احتفت الأوساط الأدبية المصرية برواية «آخر المحظيات» (عن {دار الكتاب العربي}) للكاتبة سعاد سليمان، وتتناول سيرة بطلتها «زينة} واكتشافها خيانة زوجها بعد رحيله، وتستحضر تاريخ {المحظيات} من خلال آزمنة متشابكة، وتناغم بين العالم الافتراضي والواقعي.
استهلت سعاد سليمان روايتها «آخر المحظيات» بلحظة فقد {زينة} لزوجها {رامي}، واكتشافها من خلال رسائل على هاتفه وأوراقه الخاصة، تورطه في علاقة مع امرأة غامضة {هدية}، لتقبض على جمر التفاصيل الموحية بالخديعة.تدفعنا الرواية إلى لقاء فريد بين {محظيتين}، كل منهما استشعر فقد {رامي} في الحياة والموت، فلا الزوجة المقموعة، ولا الحبيبة امتلكتا الرجل الذي فكر لنفسه، وفقد القدرة على ترويض ذاته، وصار بين جحيمين حطاما من رماد.
بالنسبة إلى السرد، فقد تراوح بين غنائية رومانسية، وإضاءة الظروف الاجتماعية للشخصيات، واستعادة حكاية الثالوث الشهير في الأعمال الدرامية، والمزج بين الحكي والشعر والتأريخ الخاص والعام لواقع المرأة واضطهادها المادي والمعنوي.واستعادت الكاتبة روح القص الموروث في حكايات الأمهات والجدات، دافعة ببطلتها {زينة} إلى بقعة ضوء، وفضاء زاخر بالتفاصيل والأحداث الغرائبية، والتماهي مع وعيها وتكوينها البيولوجي، وخبراتها المؤلمة في عالمها الضيق.واستعرضت الكاتبة جروح البطلة الغائرة، واستكانتها لازدواجية {رامي}، وصرامته داخل المنزل، والتي تعادل سلوك {أحمد عبدالجواد} في ثلاثية نجيب محفوظ {بين القصرين وقصر الشوق والسكرية}. أما الشخصيات الثانوية فقد تحولت إلى ملامح باهتة، مثل الأبناء الخمسة والشقيقة {زهرة}، وتجلت مظاهر وعي سلبي ومكرس لذات {زينة} المنجرفة نحو هاوية عالم افتراضي، وعدم اكتراث بتفاصيل حياتها {الواقعية} المقبلة.مصير الغائباكتشاف صادم قاد «زينة» إلى «الجنون»، وتحولت حياتها إلى كابوس متصل برسائل حبيبة زوجها {هدية}، وتفتَّح وعيها على إدراك {رامي} آخر، وتزينت الأرملة في انتظار رجل غائب بلا أقنعة، ولازمتها مشاعر مضطربة بين الحب والكراهية.استعارت الكاتبة البناء الكلاسيكي في منتصف روايتها، والوصول إلى ما يسمى {عقدة} النص، حين انهارت {زينة} وخضعت للعلاج النفسي، ولم تقتنع بتشخيص الطبيب لحالة {رامي} وشخصيته المنغلقة، وأنه يكتب الرسائل إلى نفسه. وتتبعت {زينة} مصير الغائب، وقراءة تاريخ {آخر المحظيات} حفيدة أول محظية دخلت مصر قبل الحملة الفرنسية، وتفاصيل حياة عائلتها، وإقامتها في باريس، وممارستها للفن التشكيلي، وحياتها المأساوية مع زوجها.أفردت الرواية صفحات من تاريخ الجبرتي عن {المحظيات}، وتقمصت {زينة} و«هدية» شخصية شهر زاد، وبدأتا في سرد حكايات {الليالي} قبل وبعد رحيل رامي {شهريار}، والذي تركهما فريسة لعذابات لا تنتهي.أضاءت {آخر المحظيات} تاريخ {الجدة الأولى صانعة سلالة المحظيات التعيسات (نجمة) التي جاءت من إحدى دول البلقان، طفلة لم تبلغ العاشرة..}، وتلتبس أماكن موطنها الأصلي على حفيدتها «ربما هي نفسها لا تعرف من أين البلاد جاءت}؟.وتنتهي {زينة» إلى قرار بحرق متعلقات زوجها الغائب، وتجسد الكابوس حقيقة أمامها: {تلاشت معالم الطريق من تحت أقدامي، وحيدة ضائعة أحاول أن {أصلب طولي وأتلمس طريقاً للخروج}.ارتكزت {آخر المحظيات» على مستويات للسرد، والتكثيف الشعري للأحداث، وغنائية الصوت المنفرد، واستعارة حيادية لغة المؤرخ، وتورط {الراوية} في الحدث، والإيغال في تفاصيل شديدة الذاتية، وموحية بهشاشة شخصية البطلة.كذلك تخلت الكاتبة عن الانحياز إلى شخصية {زينة}، والتمييز ضد {رامي}، فهما أبناء عمومة تقاسما الموروث ذاته، والقناعات الضاربة في جذورهما، وكل منهما صار ضحية كاملة للانغلاق داخل سجن القهر بدرجاته المتفاوتة.وبدت أسماء الشخصيات محملة بالرمزية، واتضحت من خلال تدليل {زهرة} لشقيقتها، ومناداتها لها {الزينة}، و«رامي» الذي ألقى بها في عالم كابوسي، وظل يطاردها بتفاصيله الدامية بعد رحيله. استكملت {زينة} رحلة البحث عن سر الغائب، وتورطت في اكتشاف شخصية غريمتها، ولغة مغايرة لجيناتها وموروثها من تقاليد راسخة، وازدادت محنتها بالانكفاء على ذاتها، وعدم التفكير في طي صفحة الماضي، والبحث عن بداية أخرى.كرست {آخر المحظيات} لتداعيات متناغمة مع مزاج {هدية} وممارستها الفن التشكيلي، وقدرتها على رصد ملامح أعمال دافنشي وسلفادور دالي، وانكفائها على كتابة الرسائل ورسم لوحات لحبيبها الغائب {رامي}. وضمنت الكاتبة قصائد للشاعرة بهية طلب في سياق تنامي السرد، والحالة الشعورية للبطلة {زينة}، واكتشافها للخديعة، وسقوط أقنعة الحياة الرتيبة، وانكشاف الوجه الآخر لزوجها الراحل.يذكر أن الروائية سعاد سليمان إحدى الكاتبات المتفردات من جيل التسعينيات، وصدرت لها رواية {غير المباح} وقصص {هكذا ببساطة} و«الراقص}، ولها تحت الطبع رواية {ابن سبعة} و«ثوار الظل} تسجيل لبطولة البسطاء في ثورة يناير المصرية 2011.