فساد بامتياز!
![د. حسن عبدالله جوهر](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1499151557547559900/1499151557000/1280x960.jpg)
بالتأكيد سوف نشهد سيلاً من التبريرات والانتقادات لـ"منظمة الشفافية الدولية" من الجانب الحكومي والمطبلين والمستفيدين من خيراتها، ومفاد هذه التبريرات أن معايير الشفافية لا تعني بالضرورة وجود ظواهر الفساد المالي لأنها فقط تقيّم متطلبات الوضوح والعلنية في الإجراءات المالية، ومدى توافر قواعد البيانات التي يمكن مقارنتها بين الدول حول المشاريع المتماثلة، وأخيراً حزمة القوانين النافذة التي تراقب وتتابع المناقصات والمزايدات وترصد الأخطاء والتجاوزات وتحاسب على ضوئها. هذه العلة الرئيسة طبعاً وغياب مثل هذه الروابط والعيون الرقابية هي المتراس الذي يختفي خلفه معظم أشكال الفساد و"الحرمنة"، كما أن ضعف الأداء والشبهات التي تلاحق حتى القائمين على عمليات الرقابة والمحاسبة أو تسييسها أو طرق الوصول إليها تشكل عصب هذا الفساد الذي لم تسلم منه معظم مؤسساتنا، بما في ذلك السلطة التشريعية، حيث انعدمت فيها درجات الثقة والمصداقية.ظاهرة الفساد أو الإحساس العام لدى أغلبية الناس بوجودها لا سيما في السنوات القليلة الماضية ظلت قائمة، بل متفاقمة، مع سلسلة التغيرات السياسية وتبدل تركيبة مجالس الأمة التي كانت المتهم الرئيس في تعطيل التنمية وتفعيل الأزمات، وبقيت روائح الفساد المالي تفوح مع الكثير من "التفنيشات" والتعيينات الجديدة في المواقع العليا والمناصب الوسطى المختلفة في الأجهزة الحكومية، في دلالة واضحة على أن المشكلة أعمق وأخطر، وأنها قد تكون متجذرة وواسعة النطاق، أو أنها تحولت إلى موروث ثقافي أو عادة اجتماعية تتوافر لهما الرعاية والحاضنة السياسية بما قد يجعل من العلاج الحقيقي أمراً صعباً، وهذا ما يتطلب جهوداً مجتمعية جبارة مسندة بحزمة صارمة من التشريعات النمطية، وليس تلك المشوهة التي خاطتها الحكومة بمباركة حلفائها من النواب، وأفرغتها من محتواها الحقيقي، لعل وعسى أن نكون في بداية طريق الإصلاح.ومع هذا الإحراج السنوي في تقارير "منظمة الشفافية الدولية"، نتمنى أن تضيف هذه المؤسسة معياراً جديداً، وهو حجم الفضائح المالية التي ينشرها النشطاء من الشباب الكويتي ولجان التحقيق البرلمانية والقضايا المقدمة للنيابة العامة؛ لأنني واثق من أننا سوف نحتل مواقع متقدمة على الأقل في "محاولة" محاربة الفساد!