أوهام النقاد و«بوكر»
منذ انطلقت جائزة {بوكر} للرواية العربية، بدا كأنها فضحت واقع النقد في العالم العربي، حركت المياه الآسنة في هذا المجال، وسلطت الضوء على مسرح النقد الذي تغلب عليه {المصالح الكتابية} المتبادلة والإخوانيات أو المقالات المدفوعة الأجر أو المقالات {غب الطلب}.بغض النظر عن نجاح {بوكر} أو فشلها، وبغض النظر عن الأسماء التي فازت بالجائزة، وبغض النظر عن قواعد الجائزة وجدواها وإدارتها، وبغض النظر عن لجان تحكيمها التي نجحت في بعض المواسم وفشلت نسبياً في مواسم أخرى، أو وقعت في اعتبارات غير منطقية لجهة اختيار الروايات... بغض النظر عن كل شيء، من يتابع المقالات أو العجالات التي كتبت عنها في الصفحات الثقافية العربية أو على المواقع الإلكترونية، يدرك عمق المهزلة النقدية في الثقافة العربية. معظم الكتابات يشبه تقلبات السياسيين اللبنانيين وتبدلات مواقفهم بحسب المصالح والرياح الإقليمية. لنقل إن السياسة تقوم على فن الممكن، لكن ما سرّ أن النقاد والأدباء ينزلقون في مواقف عقيمة ورخيصة ودونية، خصوصاً حين تحضر رائحة المال في جائزة من الجوائز، لدرجة أن بعضهم بات متخصصاً في كتابة كتب للفوز بالجوائز. حتى إن بعض دور النشر بات أسير شبح الجوائز، فلا تتردد إحدى الدور العريقة في الافتخار بأن بعض كتابها الكبار فاز بهذه الجائزة أو تلك. حتى تحول اسم الجائزة، أي جائزة إلى {ماركيتنغ}، حتى إن كانت رديئة وتسيء إلى سمعة من يحملها، فأمام قيمتها المادية الضعيفة يستسلم المؤلف...
لنعد إلى بوكر العربية ومسيرتها وضجيجها، فرغم مرور سنوات على انطلاقتها ما زال التعاطي معها وكأنها في دورتها الأولى. هاجم أحد النقاد العرب الجائزة والفائز بها هذا الموسم وهو العراقي أحمد سعداوي بشراسة، وتبين لاحقاً أن الناقد العريق مجرد {بوق} ملحق ثقافي يعمل على إنشاء جائزة أخرى للرواية مع فريق من النقاد برعاية جهات مالية عربية، تجعل من الثقافة واجهة أو بروباغندا لها في زمن بات التنافس على أشده في تقديم الجوائز العربية في مقابل ترهل ثقافي خطير. ناقد آخر هاجم {بوكر} لمجرد أنها تتجاوز الأسماء المكرسة في الرواية العربية وتثني على الأسماء الجديدة، لم يفقه أن الجائزة تقدم لكتاب وليس لكاتب وهي ليست تكريمية بل لتشجيع القراءة. وبعض النقاد لم يدرك أن القراءة قبل كل شيء تتبع المزاج، وهذا الأمر له دلالاته.ثمة روائي لم يتردد في تقديم المديح لأحد النقاد الأدبيين ظناً منه أنه أحد أعضاء لجنة التحكيم، وحين أعلنت القائمة القصيرة ولم يكن الروائي بينها جنّ جنونه وفتح جبهاته كلها على {بوكر} ولجنتها والمحظيين بها... ثمة شاعر هاجم بوكر لمجرد أنه شاعر ولمجرد أن الشعر من دون جائزة.مشهد بوكر ونقادها في البلاد العربية، يظهر لاديمقراطية المثقفين والروائيين والنقاد وعدم تعودهم على نتائج المسابقات. حتى أقرب المقربين من بوكر العربية، حين لا تكون النتائج على هواهم ورغباتهم نجدهم يسربون التعليقات النقدية والاعتراضية على صفحات الفيسبوك! باختصار، سنسمع كلاماً كثيراً عن بوكر. يبقى القول إن كل ما يجري حولها، هو في الحد الأدنى صراع أمزجة في القراءة... وبالتالي ليس على القارئ أن يكون أسير الجوائز، فثمة روايات مهمة لا تعجب لجان التحكيم وثمة روايات سيئة تحظى باهتمامهم، وفطنة القارئ الجيد ألا يتبع لعبة {الماركتينغ} الأدبي و{أبهة} الجوائز ولا حتى آراء النقاد.