بن برنانكي يدخل التاريخ. نستطيع الآن كتابة قصيدة مدح لثماني سنوات من الاضطراب، الذي أشرف عليه برنانكي حين كان رئيساً لمجلس الاحتياطي الفدرالي.

Ad

حذار، مع ذلك، من الأحكام المبكرة على رؤساء «الاحتياطي الفدرالي»، حيث إنها حتى يمكن أن تكون أقرب إلى كونها ميلاً للتنقيحات منها إلى التوقعات الاقتصادية. وهي تتعرض للإفساد بسبب عدم معرفتنا الحقائق المضادة – فنحن لا نعرف أبداً ما كان يمكن أن يحدث، لو كان «الاحتياطي الفدرالي» قد فعل شيئا آخر.

بالتالي عندما غادر فولكر، كان ينظر إليه على نطاق واسع باعتباره متكنوقراط متجبر تسبب دون داع في حالة من الركود في الولايات المتحدة، في حملة شرسة نشطة للتغلب على التضخم.

رجل لائق

بيد ان الرجل يحظى الآن باحترام الجميع تقريباً، كرجل لائق كانت لديه الشجاعة لكسر القوى التضخمية التي كانت قد تراكمت على مدى عقود، وخلق ظروفا ملائمة للازدهار الذي تمتعت به الولايات المتحدة في فترة التسعينيات.

أما خلفه آلان جرينسبان فقد ترك منصبه وهو يحمل لقب «مايسترو»، كما جاء في عنوان أحد الكتب التي تتحدث عنه، لكن بالكاد بعد عام من تركه منصبه، في أوائل عام 2006، تمزقت سمعته إرباً إرباً، حيث كان يُلعن على نطاق واسع لإنقاذه الشركات وتشجيعه الدخول في المخاطر، مع الحفاظ على معدلات متدنية جدا للفائدة لفترة طويلة جدا، وتشجيع نمو الائتمان وفقاعة الإسكان.

كيف ستكون منزلة برنانكي؟ إذا حكمنا من خلال صندوق بريدي الإلكتروني، وفحوى التعليقات الموجودة على موقع فايننشال تايمز، فهو مكروه حقاً من قبل كثير من الشركات والأشخاص في الأسواق المالية.

على أن من السابق لأوانه الحكم على سياسته الرئيسية، وهي مشتريات السندات بموجب برنامج التيسير الكمي، التي حارب بها خطر الانكماش. يقول كثيرون إن هذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى التضخم (ليس هناك دليل على ذلك حتى الآن)، ويؤجج تعمق عدم المساواة الاقتصادية (التي، للأسف، تؤكد الأدلة الوفيرة تعمقها بالفعل).

إرجاء الحكم

يجب إرجاء الحكم عليه حتى يحاول «الاحتياطي الفدرالي» في النهاية العودة إلى السياسة النقدية الأقرب إلى السياسة الطبيعية – وهو حدث ربما لايزال بعيدا لعدة سنوات.

ويتوقع كثيرون انه عند الوصول إلى تلك النقطة ستتعثر عملية النمو، وتتهاوى أسعار الأصول. وإذا لم يحدث هذا، فإنه على الأرجح سينظر إلى السياسة على أنها ناجحة. كيف نستطيع قياس الاحتمالات؟ بكل سهولة، تجسد الأسعار في الأسواق المالية التوقعات بشأن هذه المسألة.

على مدى ثماني سنوات من رئاسة برنانكي تغلبت الأسهم بالكاد على سندات الخزانة الأميركية. أما أسعار المساكن، وفقاً لمقياس مؤشر كيس شيلر، فقد كانت أدنى بكثير في نهاية الأعوام الثمانية من رئاسة برنانكي، عما كانت عليه في بدايتها. ربما كان الخطأ في حسابات سوق الإسكان أهم خطأ في إدارة برنانكي مجلس الاحتياطي الفدرالي.

بالنسبة للتضخم الذي انخفض بشكل طفيف خلال فترة برنانكي، تتوقع معدلات التعادل المشتقة من الفرق بين السندات الثابتة والسندات المرتبطة بالتضخم أن يكون متوسط التضخم عند نسبة 2.3 في المئة على مدى السنوات الـ30 المقبلة، و2.15 في المئة على مدى العقد المقبل، وبالتالي سيكون الرهان على أنه سيتم تجنب كل من التضخم المفرط والانكماش.

الأسهم المدرجة

ماذا عن النمو؟ انظر إلى نسبة السعر إلى الربح بالنسبة للأسهم. كلما ارتفعت هذه النسبة، ارتفعت الآمال في حدوث النمو. وعندما تكون هذه النسبة عند 16.6 في المئة بالنسبة للأسهم المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز 50، فإنها تكاد تكون بالضبط عند نفس المعدل الذي كانت عليه عندما تولى برنانكي منصبه.

بالنسبة إلى موقع أميركا في العالم، تفوق مؤشر ستاندرد آند بورز 500 على مؤشر فايننشال تايمز لأسهم بقية العالم بنسبة 23.4 في المئة في عهد برنانكي. هل تحقق ذلك على حساب البلدان الأخرى، كما يدعي كثيرون حالياً؟ جائز.

ويبدو أن الولايات المتحدة من الناحية العملية صدّرت التضخم عملياً إلى الأسواق الناشئة. في مقابل ذلك، تذكر أن «الاحتياطي الفدرالي» قفز ليعرض الدولارات الرخيصة على عدد من الأسواق الناشئة في 200.

تعرض برنانكي للوم شديد من الساسة في بلاده على هذه الخطوة، لكنها كانت أساسية في الحؤول دون انهيار تام وشامل في الأسواق الناشئة، ومعنى ذلك أنه لم يتجاهل بقية العالم.

عوائد السندات لأجل عشرة أعوام كانت فقط أقل من 5 في المئة قبل ثماني سنوات، وهي الآن أقل من 3 في المئة، وبذلك تظل الثقة في السندات الحكومية الأميركية على حالها، رغم بعض المغامرات السياسية المثيرة للاهتمام على طول الطريق.

معدلات الفائدة

هل يشعر الناس بالتوتر حول المستقبل؟ اتساع الفرق في مؤشر تيد، الذي يقيس الفرق بين معدلات الفائدة على القروض بين المصارف لليلة واحدة وأسعار سندات الخزانة الأميركية، الذي يعتبر مقياسا أساسيا للضغوط المالية، بقي هو أيضا على حاله حيث كان قبل ثماني سنوات، عند مستوى 22 نقطة أساس (علما أنه حلق عاليا إلى مستوى 463 نقطة أساس في 2008). ليس هناك شيء يذكر يثير القلق بشأن صحة النظام المصرفي.

والآن هل الأسواق واثقة حقا من أن «الاحتياطي الفدرالي» تحت رئاسة جانيت ييلين سيكون قادرا على الخروج من التيسير الكمي دون وقوع حوادث؟ لا، لأن أسعار أسهم المصارف أقل بكثير مما كانت عليه عندما بدأ عهد برنانكي، حين كان سعر الذهب أعلى بكثير. بموجب كل من هذين المقياسين، تعود الثقة «نظرياً»، لكن من الواضح أن انعدام الثقة في النظام المالي الأميركي، لايزال على حاله.

مع هذا التحذير المهم، فإن حكم السوق أثناء خروج برنانكي هو أنه أسهم بعمل رائع، فالأسواق مستعدة الآن لتحقيق النمو، والتضخم مستقر، وليس هناك إجهاد كبير في النظام المالي.

إذا أثبتت الأسهم اليوم أنه قد تم تسعيرها بالشكل الصحيح بعد مرور ما يكفي من الوقت، فسيمضي اسم برنانكي في التاريخ باعتباره رئيسا عظيما لمجلس الاحتياطي الفدرالي، لكن لاحظ أنه أثناء دخوله التاريخ، أظهرت هذه الإجراءات أيضا الثقة بأن جرينسبان قد أسهم بعمل رائع، أيضا.

عليه، يستطيع رؤساء مجلس الاحتياطي الفدرالي ارتكاب الأخطاء، وكذلك تستطيع الأسواق، ومثلما قال بول فولكر: «لقد فعلنا ما فعلنا، والذي لم نفعله لم نفعله، وكانت النتيجة ما حدث».

* (فايننشال تايمز)