المناصب الثقافية في مصر لا تُترك إلا بالموت أو الاستقالة
شباب المثقفين المصريين يصفون {المجلس الأعلى للثقافة} بالعجوز
جاء تشكيل المجلس الأعلى للثقافة الجديد الذي صدر به قرار من رئيس الوزراء المصري كالصدمة على رؤوس شباب الأدباء، الذين كانوا يتوقعون أن تتغير طريقة اختيار الأعضاء أو على الأقل الاستعانة بعدد من الشباب نتيجة المتغيرات السياسية التي تشهدها مصر منذ ثلاث سنوات.
يرى الشاعر الشاب البهاء حسين أن «تشكيل المجلس الأعلى للثقافة في مصر ينم عن رؤى عاجزة، وعلينا أن نسأل: هل اختار رئيس المجلس الدكتور جابر عصفور رجالاته نتيجة الولاء أم الكفاءة؟ المفارقة أن كثيرين من هؤلاء الذين وقع الاختيار عليهم لا يقدرون حتى على تحريك أطرافهم، شافاهم الله وعافاهم، فكيف لهم أن يحركوا الراكد المصري في الثقافة والصحافة والإعلام والوعي العام!»، مؤكداً أن معظمهم مريض، وقد تجاوزهم الزمن وتجاوزتهم الأحداث، ويتابع: «لا أقصد أن نركن كبار السن بعيداً، بل قصدي أنه مرفوض أن تتجاور الأعمار والكفاءات كافة من المشارب والتيارات كلها لتستطيع التعبير عن هذا الشعب الذي يبدو أنه مقدر له أن يظل نصف واعٍ ونصف مغيب، نصف جاهل نصف مثقف، نصف متقدم نصف متأخر، يبدو أن هذه البلدة لن تتقدم أبداً ما دام أن الأشخاص أنفسهم لا يزالون في سدة القرار».يرى الشاعر عبدالرحيم طايع بدوره أن الظرف السياسي ينعكس تماماً على الاختيارات كافة في الإدارات الثقافية وغيرها في البلد، وثمة جملة من المثقفين والمبدعين في القاهرة وخارجها ينتظرون منذ فترة طويلة تغييرات تعبر عما حدث في الثلاث سنوات الماضية، ويطالب هؤلاء بتمكين الشباب واطلاعهم بالدور الذي يجب أن يقوموا به، لكن البعد السياسي غالب على الوجوه كافة.ويشير طايع إلى أن بعض الأسماء التي تم اختيارها جاء كترضية سياسية ومكافأة، وأضاف: «إداراتنا لا تتخلص أبداً من هيمنة الفكر السياسي»، موضحاً أن الآليات التي تحكمنا منذ قيام الثورة وحتى الآن واحدة، رغم أن ثورة 25 يناير كانت تنادي بهدم الأخطاء كافة، لكن للأسف لم يحدث شيء». بدوره يرفض الروائي محمد مهنا انضمام بعض الوجوه المحسوبة على المؤسسات الدينية مثل الدكتور أحمد عمر هاشم والفقيه الدستوري محمد نور فرحات، قائلاً: {مكانهما ليس في المجلس الأعلى للثقافة ولا يجب أن يكون بين أعضاء الأخير من يتحدث باسم الدين، فالدين مطلق لا يجب أن يتدخل أو يتعارك مع المسائل الدنيوية البحتة}.ويبدي مهنا تخوفه الواضح من تحقق نصور الكاتب الكبير الراحل الدكتور فرج فودة عندما أشار مراراً إلى أنه سيأتي علينا يوم يتحالف فيه رجال الدين مع نظام الحكم لينتجوا لنا شكلاً جديداً من الظلم والقهر والكهنوت، مطالباً بإبعاد هؤلاء عن المجال الثقافي كي لا ندخل في منعطفات خطيرة نتيجة التحالفات غير الشرعية، مطالباً الأزهر بتنقية كتبه من الأفكار المتشددة التي لا تليق أبداً بهذه المؤسسة العريقة.من جهته، هاجم الناقد الأدبي عمر شهريار بقاء أعضاء الأعلى للثقافة على كراسيهم في المجلس حتى الوفاة، مبدياً تخوفه من انهيار {الأعلى للثقافة} بسبب هذا النظام، لأن المجلس سيكون في هذه الحالة منفصلاً عن الواقع، مبدياً احترامه لأشخاصهم، لكنهم بحكم السن أصبحوا غير متعايشين مع الواقع. وضرب المثل بالمخرج داود عبدالسيد، فهو رجل مثقف وواع وله أعمال سينمائية كثيرة تدل على ذلك، لكنه بعيد تماماً عن شباب السينمائيين، ولا يعرف متطلباتهم أو احتياجاتهم.يأسف شهريار لعدم وجود أسماء شابة ضمن هذه التشكيلة، قائلاً: {هذا فكر الدولة وهذا هو توجهها}، موضحاً أن من ينظر إلى مصر من الخارج، يرى أنها بلد عقيم بسبب إبعاد الشباب عن سدة الحكم واتخاذ القرار، فكل الموجودين على الساحة حالياً هم الأشخاص أنفسهم الذين نعرفهم ونراهم منذ الـ 30 سنة الماضية، مثل الدكتور علي الدين هلال المحسوب على النظام الأسبق {مبارك} الذي قامت ثورة 25 يناير ضده، لكن للأسف رموز هذا النظام كلهم ما زالوا على كراسي الدولة حتى الآن}.يقول شهريار: {المناصب في مصر إما تنتظر ملك الموت أو الاستقالة، أيهما أقرب، مثلما حدث مع الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي الذي ظل متمسكاً بمناصبه الرسمية حتى استقال أخيراً من {المجلس الأعلى للثقافة} بسبب مجلة {إبداع}، التي كان يترأس تحريرها، والتي تصدر عن وزارة الثقافة.