رئيس برلمان العراق الجديد سليم الجبوري يختار طهران محطة أولى في أول سفرة خارجية له، حيث يشارك بعد غد في اجتماع يعقد هناك لاتحاد البرلمانات الإسلامية؛ لكنها لا تبدو زيارة عادية، لاسيما أنها سُبِقت بلقاء جمع الجبوري بسفير إيران في بغداد حسن دانائي فر، كأول دبلوماسي يلتقيه رئيس البرلمان بشكل معلن، بعد يوم واحد من انتخابه.

Ad

"سليم" عنوانٌ محاط بالغرابة منذ أسابيع، إذ ظل الخصم اللدود لفريق رئيس الحكومة نوري المالكي، حيث نجح في إدارة لجنة حقوق الإنسان في الدورة السابقة لمجلس النواب، وعمل كحقوقي أكاديمي متميز، مع منظمات دولية، لتسليط الضوء على انتهاكات رهيبة تحدث في السجون، كما تعاون في هذا الإطار مع تيار مقتدى الصدر الذي يعاني أتباعه في المعتقلات إساءاتٍ كثيرة نتيجة معاركهم مع الجيشين الأميركي والبريطاني.

ونشاطه هذا، جعل المالكي يلاحقه بعدد من مذكرات الاعتقال، متحيناً فرصة نهاية ولاية البرلمان ورفع الحصانة عنه، لتهديده بالسجن. وكان الجبوري في الوقت ذاته، خسر عدداً من أفراد عائلته على يد تنظيم "القاعدة" في ديالى، لاتهامه بالتعاون مع الحكومة، فهو قيادي بارز في الحزب الإسلامي، أي الحزب الذي لم يقاطع العملية السياسية في العراق منذ لحظة سقوط صدام، إلى درجة أن متطرفي السُّنة والبعثيين اعتبروه حزباً خائناً. وهو أيضاً ضمن سلسلة أحزاب الإخوان المسلمين في العالم وممثلهم في العراق، ويمتلك حالياً صلة وثيقة بالزعيم التركي رجب طيب أردوغان، وتبدو كل خطواته منسقة مع أنقرة المعارضة بقوة لنهج المالكي، بشكل لافت.

ورغم السيرة السياسية لسليم، فإنه أصبح خلال الأسابيع الماضية، عنواناً لتحول غير واضح، إذ راح يدافع عن حق نوري المالكي في ولاية ثالثة، بعد أن كان من أنصار سحب الثقة عن رئيس الحكومة المغضوب عليه سنياً وكردياً وشيعياً، وهو ما أشعر كثيراً من المعارضين بأن سليم الجبوري "تم شراؤه بالخوف"، مما أدى إلى حملات تخوين له بين السنة، غير أن اجتماعاً عقد في أنقرة بين رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي، وقيادات الحزب الإسلامي، بحضور أردوغان، انتهى بصلح سريع، ليتفهم الآخرون وجهة نظر الحزب بالتهدئة مع المالكي بهدف إسقاط الاتهامات عن الجبوري، ودفعه إلى رئاسة البرلمان كخليفة للنجيفي، الذي صار تنحيه جزءاً من ثمن تغيير المالكي ببديل معتدل.

الجزء المثير من القصة سيبدأ الآن بزيارة الجبوري لطهران، حيث ستحمل تلك الزيارة مجموعة حقائق سياسية بروح التسويات الضرورية.

وتقول مصادر مطلعة إنه من المفترض أن يحمل رئيس البرلمان، عدة رسائل، مستغلاً كونه عنصر توازن واعتدال داخل السلطة، فضلاً عن قبوله كذلك من أطراف مسلحة عدة تقاتل اليوم في المحافظات السنية، مثل الجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين والعشائر، وهي نفس الأطراف التي سبق أن تفاهمت مع واشنطن ونجحت في طرد تنظيم القاعدة بعد عام 2007، كما أنها مازالت تبدي استعدادها لطرد "داعش" بشرط أن يسبق ذلك تفاهم كبير على مطالب الاعتصامات السنية التي استمرت أكثر من عام، وضربها المالكي بقسوة.

طهران ستستمع لأول مرة، إلى حديث يمكن وضعه على الطاولة، ومن الضروري أن تسمع طهران هذا، من وجهة نظر واشنطن نفسها؛ فالإدارة الأميركية تتباطأ في دعم المالكي عسكرياً، لأنها تعتقد أنه من الضروري بناء تفاهم مع السُّنة المسلحين والسياسيين، يضع أساساً لمصالحة بضمانات كبرى، ويوحد كل الأطراف لطرد "داعش" بمساعدة أميركية وإسناد إيراني، بينما تريد إيران استدراج واشنطن لضرب السُّنة وإخضاعهم طائفياً بتهمة دعمهم "داعش".

الجبوري يريد أن يحمل وجهة نظر سنية عراقية، وتركية، وأميركية، وبالضرورة سعودية، ليشرح الكلفة الرهيبة لتوسيع الصدام الأهلي، وهو لا ينتظر بالطبع صدراً رحباً في طهران، إلا أنه سيجرب أن يتفاوض مدعوماً بوقائع كثيرة، ترتبط بمستقبل نفوذ إيران في العراق، ومستقبل النظام السياسي الذي يتزعمه شيعة عراقيون.