رأي : تحدياتٌ تواجه التوجهات الإيجابية
في بداية العام، كنت أعتقد أن النصف الثاني من عام 2014 سيكون إيجابيا لاقتصادات العالم المتقدم ولأسواق الأسهم فيها، لكنني فوجئت مثل غيري بالأداء الضعيف للاقتصاد الأميركي خلال الربع الأول، حيث انخفض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 2.9%. ومع ذلك، فقد اعتبرت ذلك التراجع مجرد ركود صغير في سياق انتعاش مستمر، وأرجعته إلى سوء الأحوال الجوية وقضايا محاسبية تتعلق بقانون الرعاية الصحية الميسرة وعددٍ من العوامل الأخرى. وتوقعت أن تشهد الأرباع التالية زخماً متجدداً استناداً إلى البيانات الاقتصادية المنشورة.واليوم، فإن كل مؤشر أنظر إليه يشير في الحقيقة إلى مشهدٍ اقتصادي أكثر إيجابية. فإنتاج السيارات يمضي بمعدل 17 مليون وحدة، وثقة المستهلكين ومبيعات التجزئة تواصل تحسنها، كما أن القروض المصرفية التي يأخذها رجال الأعمال من أجل البضائع أو المشاريع الجديدة، تبدو قوية. ونلاحظ مزيداً من الإنفاق الرأسمالي، ومزيداً من المنشآت الصناعية التي يتم التخطيط لها أو إنشاؤها، فضلاً عن انخفاض معدل البطالة إلى 6.1%، والعدد الممتاز من فرص التوظيف الجديدة في شهر يونيو.
بالإضافة إلى ذلك، فقد انخفضت طلبات إعانة البطالة الأولية، كما تبدو خطط التوظيف إيجابية في الشركات الصغيرة، وهناك بوادر لزيادة الأجور في قطاع الخدمات. واستناداً إلى الاتجاهات التاريخية، لا شيء يدعو للقلق بشأن تسارع صعود الأجور طالما بقي معدل البطالة دون 5.5%، وهذا لن يحدث غالباً إلا في العام المقبل.من ناحية أخرى، ليست جميع المؤشرات الاقتصادية إيجابية تماماً، فقد انخفض عدد الوحدات السكنية الجديدة في يونيو إلى 893000 وحدة، بعدما كانت تزيد على مليون وحدة. وتناقصت تصاريح البناء الجديدة أيضاً. ولاشك في أن الأداء القوي لقطاع الإسكان أمر ضروري كي يحقق الاقتصاد الأميركي نمواً حقيقياً بمعدل 3% في النصف الثاني، وكي تواصل معدلات البطالة هبوطها إلى مستويات أدنى.إضافة إلى ذلك، لاحظنا بعض الإشارات السلبية الأخرى، وهذا قد يفسر تلكؤ السوق في الصعود إلى مستويات أعلى. وأولى تلك الإشارات هي الانطباعات والمشاعر، فمعظم المستثمرين يركنون للتفاؤل ويتركون الحذر. ونرى ذلك في استطلاع نيد دايفيس لانطباعات الجماهير، وهو مؤشر وجدتُه مفيدا في الماضي، حيث كانت نتائجه الأخيرة إيجابية بشكل مفرط، ونحن نعلم أن أفضل وقت لشراء الأسهم هو عندما تكون النظرة الغالبة لدى المستثمرين سلبية. لكن هذا لا يمنع السوق من مواصلة الارتفاع، بل هو علامة تحذير على إمكانية حدوث تصحيح قبل المرحلة التالية من الصعود. وعلى النقيض من ذلك، أظهر استطلاع بلومبرغ العالمي أن 47% من المشاركين يعتقدون أن السوق يقترب من حدوث فقاعة، بينما قال 14% منهم إن الفقاعة بدأت بالفعل. لكنني أرى أن هذا المستوى من الحذر بين خبراء الاستثمار من مشتركي بلومبرغ أمر مشجع كمؤشر عكسي، كما أن التغيرات الموسمية هي أيضا ضد ارتفاع الزخم في السوق. فالصيف عادة فترة صعبة، وفي سنوات الانتخابات الرئاسية الأميركية للدورة الثانية كان مؤشر ستاندرد آند بورز SandP 500 ينخفض بمعدل 3.1%، مقارنة بمتوسط مكاسب يبلغ 0.7% لجميع السنوات منذ عام 1950.وقد تتمثل إحدى المشاكل الأخرى في العمر الحالي لدورة السوق، حيث تقول مؤسسة ستراتيجاس للأبحاث ان صعود السوق يستمر في المتوسط مدة 57 شهراً، يحقق فيها مكاسب تبلغ 160%. واليوم، نجد أن مؤشر ستاندرد آند بورز SandP 500 قد ارتفع بنسبة 186% خلال 61 شهراً، منذ 9 مارس 2009 حينما وصل إلى أخفض مستوياته خلال العقد الأخير. وقد مضى زمنٌ طويل على آخر تصحيح ملموس في السوق، إذ مرّ 700 يوم منذ آخر انخفاض قدره 10%، وضعف تلك المدة تقريبا منذ آخر انخفاض بنسبة 20%. وبطبيعة الحال، لا يمكن أن يواصل السوق صعوده إلى ما لا نهاية. ويبقى السؤال عن توقيت الهبوط المقبل. لقد ساعدت سياسة الإنفاق التوسعية للبنك الاحتياطي الفدرالي على انتعاش السوق، لكنه بدأ بتقليص ضخ الأموال ما أثار قلق المستثمرين بشأن رفع معدلات الفائدة قصيرة الأجل في وقت ما من العام المقبل.ويتخوف العديد من المستثمرين من حدوث تحول في سياسة البنك الاحتياطي الفدرالي بما يؤدي إلى تصحيح كبير في السوق. لكنني أعتقد شخصياً أننا لن نرى ارتفاعاً في سعر الفائدة قبل منتصف عام 2015. وقد أجرت وكالة نيد دايفيس للبحوث دراسة عن استجابات السوق لأول زيادة في أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفدرالي. وتُظهر الدراسة أن مؤشر ستاندرد آند بورز SandP 500 استجاب فعلا برد فعلٍ سلبي حاد يقارب 5%، لكنه بعد ذلك واصل الارتفاع. وقد يكون خطر التغير في توقعات التضخم أحد الأسباب التي ربما تدفع البنك الاحتياطي الفدرالي للتفكير في رفع أسعار الفائدة، لكن حدوث ذلك لا يبدو مرجحا على المدى القريب، إذ لاتزال زيادات الأجور متواضعة، بينما انخفضت أسعار السلع الأساسية. ولذلك، أعتقد أن التضخم سيبقى تحت السيطرة وعند مستويات معقولة، ولا داعي للقلق بهذا الشأن حتى وقتٍ ما في عام 2015.وأخيراً، فقد خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الحقيقي في الناتج الإجمالي العالمي إلى أكثر بقليل من 2%. وكان ذلك المعدل 4% في عام 2010، وبقي أعلى من 2% حتى وقت قريب. لكننا نلحظ انطباعاً عاماً بأن النمو في مختلف أنحاء العالم آخذ في التباطؤ. ومع ذلك، كانت الأخبار الاقتصادية الواردة من الصين خلال الشهر الماضي إيجابية، حيث أشارت إلى ترجيح الوصول إلى معدل النمو المستهدف بنسبة 7.5٪.لكن أسباب التحسن كانت على ما يبدو توسعاً ائتمانياً للإنفاق على البنية التحتية والشركات المملوكة للدولة وليس نمواً في مشتريات المستهلكين. ولا يمكننا أن نتجاهل تماماً أثر الاضطرابات الجيوسياسية على الأسواق، فقد استحوذ الوضع في أوكرانيا على اهتمام العالم بأسره عندما أُسقطت طائرة ركاب ماليزية على متنها أكثر من 300 شخص.وعلى صعيد آخر، أعتقد أن إيران ستوافق على تقليص برنامجها النووي الذي يُعتقد أنه يستهدف تطوير أسلحة نووية، فهناك ضغط كبير من الشباب الإيراني من أجل رفع العقوبات بحيث يمكنهم الاستفادة من الفرص التي يرونها مفتوحة أمام أقرانهم في أجزاء أخرى من العالم. وفي آسيا، ستحاول الصين تسوية النزاع في بحر الصين الجنوبي بطريقة سلمية. ومع ذلك، فقد تنفجر أيٌّ من هذه المناطق المضطربة في أي وقت، ما سيؤدي إلى زيادة محتملة في أسعار النفط، أو ظهور تحدٍّ جديد للنظام العالمي القائم قد يزعزع استقرار الأسواق المالية.وختاماً، لعل من المفيد إلقاء نظرة عامة على الاقتصادات في أنحاء العالم، فالولايات المتحدة تنمو بمعدل حقيقي بين 2 و3%، وأوروبا بمعدل 1%، واليابان بمعدل 1.5%. ومع أن الدول الناشئة تنمو بمعدلات أسرع، لكن أسواقها عموماً لا تستجيب بقدرٍ يتناسب مع النمو، ومع ذلك فيمكن العثور على صفقات جيدة هناك. ويبقى السوق الأميركي كبيرا وشفافا ويتمتع بسيولة جيدة، وأرى أن أسعار الأسهم فيه لاتزال معقولة. وتبدو الأسهم أكثر جاذبية من حيث «نسبة السعر إلى العائد» مقارنة بالسندات والاستثمارات البديلة كالعقارات. وأرجح أن تبقى أسعار الفائدة منخفضة لفترة أطول مما يتوقعه معظم الناس، وأن أداء الأسهم سيبقى جيداً لفترة أطول أيضاً.في الوقت الحاضر، لا أتوقع حدوث ركود في الاقتصاد أو خسائر في السوق على المدى المنظور، رغم أننا دخلنا العام الخامس من التعافي الاقتصادي وانتعاش السوق. ولنأمل ألا تتسبب الاضطرابات الجيوسياسية في قلب هذه التوقعات.* بايرون واين ، نائب رئيس شركة بلاك ستون