عادت المؤسسات الحكومية الأميركية للعمل مرة أخرى مع عودة موظفي القطاع العام من إجازة إجبارية مدفوعة الأجر مدة أسبوعين، ورفع سقف الدين العام الأميركي مؤقتا. وستخضع هاتان النقطتان للمراجعة مرة أخرى في بداية العام المقبل. 

Ad

لكن ما يقلقنا أكثر هو نتائج أرباح الشركات للربع الثالث حتى الآن. فبعدما أعلنت نصف الشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز SandP 500 نتائجها المالية الفصلية، تبين أن نحو 70% منها قد تجاوزت أرباحها المتوقعة، بيد أن تلك الشركات دأبت على خفض تقديراتها بشكل متكرر مع اقترابها من موعد إصدار النتائج. 

وكانت هناك أيضاً بعض النتائج المخيبة للآمال لشركات كبرى، مثل آي بي إم وماكدونالدز وكاتربيلر. والأكثر من ذلك أننا نجد الشركات، التي تقدم التوجيه للمحللين، تشجّعهم على خفض تقديراتهم. وكان نمو الإيرادات على الدوام أبطأ بكثير من نمو الأرباح، ما قد يمثّل إنذاراً مبكراً لنا بشأن الأرباح المتوقعة في عام 2014. لا شك أن هذه النتائج مخيّبة للآمال في بيئة اقتصادية قدّم فيها البنك الاحتياطي الفدرالي تحفيزاً نقدياً يقدّر بعدة تريليونات من الدولارات خلال العام الجاري.

 

ميزانية البنك الاحتياطي

 

لم تكن الميزانية الإجمالية للبنك الاحتياطي الفدرالي عام 2008 تتجاوز 1 تريليون دولار، مثّلت سندات الخزينة أقل من 10% منها. أما اليوم فتقارب ميزانية الاحتياطي الفدرالي 3.5 تريليونات دولار، وتشكل سندات الخزينة نحو 25% منها. حتى ان برنانكي، محافظ البنك الاحتياطي الفدرالي، بدأ يشعر بالقلق إزاء حجم السندات الحكومية الأميركية في ميزانية البنك العمومية منذ شهر مايو، ولعل ذلك كان وراء تلميحاته بتقليص التحفيز. لكنه ربما استشعر وقتها اقتراب أزمتي الميزانية وسقف الدين، فسارع بالتراجع عن تلك التصريحات في يونيو. 

وقد تكون تلك المخاوف أيضاً احد الأسباب التي منعته من بدء تقليص التسهيلات النقدية في شهر سبتمبر. ولعل من الأسباب الأخرى حدوث بعض الاضطرابات في أسواق السندات والرهن العقاري، والتي جاءت نتيجة الحديث عن تقليص التسهيلات بحد ذاته. أما الآن فقد أُرجئ الحديث عن أي تقليص لبرنامج التحفيز النقدي إلى عام 2014، بعد أن تتولى جانيت يلين منصبها كرئيس جديد للبنك الاحتياطي الفدرالي، لكنها ستكون على الأرجح متساهلة كما كان برنانكي، وربما أكثر.

ثمة أسئلة أخرى لاتزال معلقة أيضاً في ما إذا كان النظام السوري سيتخلى حقاً عن كل أسلحته الكيماوية، وما إذا كانت إيران ستقبل التفاوض على تعديل برنامجها النووي. لكن أكبر قوة تدفع أسعار الأسهم للصعود كل يوم تقريباً في جميع أنحاء العالم، هي حقيقة أن تقييمات الأسهم معقولة وغير مبالغ بها. فتبعاً لتقدير أرباح عام 2014 بنحو 115 دولاراً للسهم، يكون سعر السهم في مؤشر ستاندرد آند بورز عند مستوى 15 ضعف الأرباح، وهو سعر يعتبر عادلاً بالمنظور التاريخي. 

وهذا التقييم لايزال بعيداً جداً عن المستويات المبالغ فيها والمسجّلة خلال عام 1999 حتى في عام 2007. ويظهر تحليل نشرته المؤسسة الدولية للاستثمار والاستراتيجيات (ISI) أنه إذا بقيت هوامش الربح عند مستوياتها الحالية، فإن الإيرادات يجب أن تنمو بمعدل 5%، كي تصل ربحية السهم في مؤشر ستاندرد آند بورز إلى 115 دولارا، مع افتراض ان الشركات المدرجة في المؤشر ستطبق برنامجاً لإعادة شراء 1.5% من أسهمها.

 

تراجع مؤقت

 

في مثل هذه البيئة، ما التوزيع الأمثل للأصول بالنسبة للمؤسسات الاستثمارية؟ كان العائد الإجمالي لمؤشر ستاندرد آند بورز أكثر من 16% في عام 2012، ووصل إلى 23% حتى الآن هذا العام، لكني مازلت أتوقع مزيدا من الصعود في المستقبل، مع أن تراجعاً تصحيحياً مؤقتاً قد يحدث في أي وقت، على خلفية الشراء المفرط للأسهم. 

وكنت قبل عامين قد اقترحت توزيعاً جديداً وجذرياً للأصول بالنسبة للمؤسسات الاستثمارية، يهدف للاستفادة من الفرص المستقبلية التي رأيتها في ذلك الوقت. وكان تصميم المحفظة يستهدف تحقيق عائد يدنو من 10% على مدى دورة كاملة للسوق. ثم أدخلت بعض التغييرات على مدى الأشهر الـ24 الماضية، وها أنا ذا أضيف تعديلات جديدة الآن. وقد أوضحت أن هذه المحفظة ستكون أكثر عرضة لتقلبات الأسعار، وأقل سيولة من هيكلية توزيع الأصول المعتمدة لدى معظم المؤسسات، لكني أعتقد أن العائدات على المدى الطويل تبرر هذا التغيير.

بعد التعديلات الجديدة، سأواصل تخصيص 10% في أسهم الشركات العالمية متعددة الجنسيات ذات الجودة العالية، فقد كان أداء هذه الأسهم جيداً عموماً في سوق الأسهم الصاعدة، لكن تقييماتها لاتزال غير مفرطة، وهي تواصل تقديم عائدات معقولة مع نمو معتدل في الأرباح. ويقع مقر العديد من هذه الشركات في الولايات المتحدة. كما أخصص أيضاً حصة 10% لأسهم الشركات الأميركية الصغيرة والمتوسطة من حيث رأس المال.

وأخصص حصة 10% للأسهم الأوروبية، فقد خرجت أوروبا من الركود في عام 2009، لكنها عادت إليه طوال العامين الماضيين. وأتوقع أن يحقق المستثمرون نمواً بسيطاً في هذه المنطقة في عام 2014، كما أن تقييمات الأسهم فيها لاتزال معقولة. 

 

أداء مخيب

 

أما جزء الأسهم اليابانية فسيكون بمقدار 5%، حيث أتوقع المزيد من الصعود في مؤشر نيكاي 225 فوق المستويات الحالية بفضل تحسن المقوّمات الأساسية. وأخيراً، ستكون مخصصات الأسواق الناشئة 10%، فقد كان أداء هذه الفئة مخيباً للآمال في العامين الماضيين حيث تباطأ نمو اقتصاداتها. 

ومع أن معدلات النمو فيها لاتزال أكبر مما هي عليه في العالم المتقدم، لكن أداء أسواق الأسهم في معظم البلدان الناشئة كان ضعيفاً، ولاتزال تقييمات الأسهم فيها معقولة جدا، والأرباح تنمو، لذلك أتوقع لها أداء أفضل في عام 2014. تمثّل الحصص الخمس التي ذكرتها حتى الآن 45% من المجموع، وهي الجزء المخصص للأسهم طويلة الأجل في المحفظة.

ومازلت مؤمناً بأن محافظ المؤسسات الاستثمارية تستطيع الاستفادة من التزامها بالاستثمارات البديلة، وقد خصصت 10% في صناديق التحوط، لأنني وجدتها تحقق عائدات قوية محسوبة المخاطر على مدى دورة كاملة للسوق، إضافة إلى حصة مماثلة بنسبة 10% في استثمارات الملكية الخاصة (private equity) لأن السنوات المقبلة ستشهد عدداً من الفرص ذات العائدات المرتفعة عندما تبيع الشركات بعض أقسامها لترشيد هيكلية أعمالها الاستراتيجية. 

وأعتقد أن عمليات شراء الشركات، عبر الاقتراض بضمان أصول هذه الشركات، أو من خلال إصدار سندات لها، ستكون أقل مما كانت عليه في السنوات الماضية، لأن شركات الملكية الخاصة تستطيع التروّي في انتظار الفرص، وستستفيد من تحسّن الإدارة والتمويل الكافي. والعائدات المرتفعة المتوقعة ستعوض المستثمرين عن نقص السيولة.

 

تعديلات جديدة

 

بشكل عام، شملت التعديلات التي أدخلتها تغيير 25 نقطة مئوية من المحفظة، حيث أنشأت ثلاث فئات جديدة: الأسهم الأميركية طويلة الأجل والأوروبية طويلة الأجل بنسبة 10% لكل منهما، واليابانية طويلة الأجل بنسبة 5%. 

ولتوفير الأموال اللازمة لتغطية هذه المخصصات الجديدة، قلّصت حصة الأسواق الناشئة بنسبة 5%، وكذلك حصة صناديق التحوط، وحصة العقارات، وحصة الاستثمارات غير التقليدية ذات العائد المرتفع بالنسبة ذاتها، كما ألغيت كامل الجزء النقدي من المحفظة الذي كان يشكل 5%، رغم معرفتي بأن المحافظ المؤسسية تتضمن في العادة جزءاً نقدياً ولو صغيراً. 

لكن نسبة 5% لا توفر الكثير من الحماية في حال تراجع السوق، كما أن العائد على النقد اليوم لا يكاد يُذكر. فضلاً عن ذلك، ستغطي الزيادة في الجزء المخصص للأسهم طويلة الأجل من المحفظة (والذي يمتاز بالسيولة) أيّ أموال قد تلزم للتوزيعات أو للاستثمار في أي فرص استثنائية يمكن أن تظهر. 

وهكذا فقد تم تخفيض الاستثمارات البديلة بنسبة 10%، بينما زادت الاستثمارات في الأسهم طويلة الأجل بنسبة 25%، وما علينا الآن الا الانتظار لنرى ما إذا كانت بنية المحفظة الجديدة محكمة بما يكفي للنجاح، في ظل الصعوبات المتزايدة المتوقعة خلال عام 2014.

 

* بايرون واين ، نائب رئيس شركة بلاك ستون