محسن شعلان ... تراجيديا فنان في سجن القط الأسود

نشر في 16-02-2014 | 00:01
آخر تحديث 16-02-2014 | 00:01
بعد عام على معرضه الأخير «القط الأسود... تجربة سجن»، غيب الموت الفنان المصري محسن شعلان (1951ـ 2014) أحد الوجوه البارزة في فضاء التشكيل العربي، تاركاً مئات اللوحات المتفردة، وسيرة تراجيدية اقترنت بواقعة اختفاء لوحة {زهرة الخشخاش}، وعذابات الإبداع خلف القضبان.
حفلت لوحات محسن شعلان بإبداع متوهج، وعطاء وثيق الصلة بالتراث وتاريخ من الثراء الإنساني، وتناغم الأصالة والمعاصرة، ولغة تشكيلية تحتفي بالمغامرة والتجريب، والتشبث بملامح الوجوه الباحثة عن الحرية.

 وفي 9 فبراير، انطوت آخر فصول {تراجيديا} عصفت بروح فنان متفرد، وبدت سنواته الأخيرة لوحة صراع بين إبداع وشفيف وأحداث دامية، وشكل غيابه صدمة مباغتة لأهله وزملائه ومحبي الفنون الجميلة.

موهبة متفردة

يقول رئيس قطاع الفنون التشكيلية المصرية د. صلاح المليجي إن فقد الفنان محسن شعلان ترك مساحة شاغرة في فضاء الإبداع والثقافة العربية، وألماً يعتصر قلوب محبيه، وستظل لوحاته شاهدة على موهبته المتفردة.

بدوره يؤكد رفيق دربه الفنان محمد طلعت، أن رحيل التشكيلي محسن شعلان، خسارة إنسانية وإبداعية فادحة، لا سيما أنه كان يجهز لمعرضه الجديد الذي يتضمن لوحات رسمها في فترة سجنه.

توالت تداعيات المشهد ببرقيات تعزية لغياب الفنان ورئيس قطاع الفنون التشكيلية الأسبق، ونعته نقابة الفنانين التشكيليين. تبقى رسوماته أيقونات دالة على طاقة هائلة من المشاعر، وعمق الإدراك لماهية الفن ورسالته الجمالية والثقافية.

زهرة الخشاش

في عام 2010، أصابت شعلان لعنة لوحة فان غوغ الشهيرة {زهرة الخشخاش}، واختفائها الغامض من متحف محمود خليل، ومثوله للتحقيق كرئيس لقطاع الفنون التشكيلية آنذاك، والحكم عليه بالسجن لمدة عام.

كان شعلان على موعد مع الاختفاء الثاني للوحة {الخشخاش}، بعد مرور نحو أربعة عقود على غموض اختفائها الأول، واستعادتها وسط تباين الروايات، وزعم البعض بأن النسخة العائدة مقلدة.

وعلى نحو صادم، جرت واقعة اختفاء {زهرة الخشخاش}، وبات شعلان حبيس القبضان، فخاض تجربة استثنائية قلما تعرض لها فنان سابقاً، ولم يملك سوى ريشة عبر بها عن عذابات التحول المأساوي في مسيرته الحياتية والفنية.

أغسطس 1201، أكثر الأشهر قسوة في حياة شعلان، لاحقته اتهامات بالإهمال الوظيفي، لكنه ترك بصمة إبداعية فارقة في مسيرته حفزته للمقاومة بالريشة واللون بين جدران سجنه.

تحول شعلان إلى بطل في تراجيديا إغريقية، وأطلّ خلف القضبان كموديل لإحدى لوحاته، تشبه ملامحه الوجوه الفيومية ذات الصلة بتراث أسلافه، وتتلاحق صرخاته في حصار الاتهام، ولعنة لوحة اعتبرها ليست ذات قيمة.

عوقب شعلان بتهمة الإهمال الوظيفي ومعه بعض مسؤولي متحف محمود خليل، وبدا الاختفاء الثاني للوحة فان غوغ، نهاية مأساوية لفنان تفصله عنه مئات السنين، وقضية رأي عام شغلت الأوساط الثقافية المصرية قبل ثلاثة أعوام.   

خرج شعلان من سجنه، وقرر التفرغ لإبداعه، وترك مهامه الوظيفية من دون رجعة، وبدت حواراته الصحافية صرخة ضد الغبن، ملوحاً بأنه كان كبش فداء لآخرين، ولا يعزوه سوى مقاومته للقيود بالفن.

أبدع شعلان 50 لوحة في فترة سجنه، اشتعلت الألوان بوهج التجربة، وصلابة فنان مقاوم للقيود، واتسعت لوحاته لطائر محلق في فضاء رحب، وذاكرة تحتفي بالإرادة الإنسانية، وتوثيق المعاناة بمسارات جمالية متفردة.

شكلت تجربة السجن نقلة نوعية في لوحات شعلان، واعتبرها النقاد إضافة إلى أعماله السابقة وحدثاً فنياً غير مسبوق، وتحولت غرفة التوقيف إلى مرسم لفنان محلق في فضاء الإبداع بلا قيود.

وفي فبراير 2013، أقام شعلان آخر معارضه الفنية {القط الأسود... تجربة سجن}، فلاحقته ومضات آلات التصوير، وبدت ملامحه المكابدة للألم وثيقة الصلة بالوجوه المتتابعة في لوحاته، ووهج الألوان الدالة على عذابات تجربة إبداعية خلف القضبان.

وثقت لوحات {القط الأسود} تجربة سجن فنان، وحملت عذابات أشهر قاسية، ومكابدة لمشاعر الغبن، وسطعت الوجوه بذكرى أيام عصيبة، ويقين بأن الفن فضاء جمالي، وفكرة نبيلة للوجود الإنساني.

لم ينقطع شعلان عن الإبداع، وبات مرسمه سجناً اختيارياً، فانتظر محبوه معرضاً جديداً، لكنه باغتهم بالرحيل، تاركاً أيقونات دالة على موهبة استثنائية، وأصداء مكابدات جروح ملونة، ووجوهاً تتشابه مع وجه صاحب اللوحات، وتتساءل حول مغزى الوجود الإنساني.

تظل سيرة محسن شعلان بزخمها الإبداعي الفريد، شاهدة على تحولات عاصفة في مسيرة فنان، وانحيازه النبيل لشروط الجسارة الفنية، وطاقة مشاعره الكامنة، وتفاعل ذاته مع معطيات وخصائص بيئته العربية.

نبذة

الفنان محسن شعلان من مواليد القاهرة في أبريل 1951، حاز بكالوريوس الفنون والتربية عام 1974، عضو في هيئات ثقافية، منها: جمعية محبي الفنون الجميلة، النقابة المصرية للفنانين التشكيليين، وجمعية آنا بورونا الدولية بالدومينيكان.

أقام شعلان معارض خاصة وجماعية، وعرضت لوحاته في عواصم عربية وأوروبية، وبرع في فن {البورتريه}، ومنذ 1973 بزغت موهبته المتفردة، واستمرّت حتى آخر معارضه {القط الأسود... تجربة سجن} في 2013.  

شغل وظائف مهمة، منها: رئيس الإدارة المركزية للخدمات الفنية للمتاحف والمعارض (2002)، ورئيس قطاع الفنون التشكيلية (2006 -21 أغسطس 2010).

نال جوائز وتكريمات محلية ودولية، واقتنت أعماله هيئات ومؤسسات وأفراد داخل مصر وخارجها.

back to top