على صائدي الأسهم انتظار غودو... سنة أخرى
كانت 2013 سنة نادرة، حيث ارتفع مؤشر ستاندارد آند بورز 500 بصورة متواصلة تقريباً، ولم يشهد أي تصحيح حتى ولو بنسبة 5 في المئة. حين يكون التقلب متدنياً إلى هذه الدرجة، فإن من الصعب تكراره.
هل ستشهد سنة 2014 عودة سوق الباحثين المنقبين في الأسهم؟ مديرو الاستثمار في انتظارها منذ أن بدأ فلاديمير واستراجون انتظار جودو*. سنة بعد سنة، على الأقل منذ أن اندلعت الأزمة الائتمانية في 2007، كانت عروض مديري الصناديق تتنبأ بنهاية وشيكة للموجات من الأعلى إلى الأسفل، فموجات المشاعر التي تدخل المخاطر في الأوقات الطيبة وتبتعد عنها في الأوقات العصيبة، هي التي تحرك الأسهم معاً. سيعطي هذا ملتقطي الأسهم الفرصة للمعان، لكنه قلق لا ينتهي أبداً.بعض الناس يجدون مفهوم ملتقطي الأسهم سخيفاً إلى حد ما. إذا كان هناك شيء من هذا القبيل، فإنه ينطوي ضمناً على أن هناك أزمانا لا نحتاج فيها إلى ملتقطي الأسهم. هناك أمور أكثر من ذلك في هذا الموضوع. إذا كانت معاملات الارتباط متطرفة، كما كانت خلال الأزمة، فلن تكون هناك جدوى من محاولة التعرف على أحسن الأسهم أداءً. معاملات الارتباط بين الأسهم تراجعت بصورة ملحوظة خلال 2013، كما أشرتُ في وقت مبكر من الشهر الماضي، فهل آن الأوان أخيراً لأن يشرق ملتقطو الأسهم؟
تشير أبحاث جديدة من مؤشرات ستاندارد آند بورز إلى أن الجواب هو بالنفي، فالارتباط ليس هو المفهوم الوحيد المهم في هذا الباب، يشير كريج لازارا من «ستاندارد آند بورز» إلى أن فرصة ملتقطي الأسهم في اللمعان تتعلق بثلاثة مفاهيم مستقلة: الارتباط، والانتشار – أي إجمالي التغير في العوائد بين الأسهم، والتقلب – أي النطاق الذي تتحرك الأسهم من خلاله.ملتقطو الأسهمبالنسبة لفرصة ملتقطي الأسهم تكمن الأهمية للتفوق في الانتشار. كلما ازدادت الفجوة بين أفضل وأسوأ سهم، تحَسَّن وضع الذين يتخذون الخيارات الصحيحة.على سبيل المثال، خلال انهيار عامي 2007 و2008، كان الارتباط عالياً، باعتبار أن جميع الأسهم ارتفعت معاً، لكن العوائد كانت متوزعة ومتباعدة بدرجة كبيرة – كما كانت البنوك أسوأ بكثير من البقية، حيث إنها دفعت بالسوق إلى الأدنى، بالتالي فإن الذين تجنبوا أسهم المصارف، أو باعوها على المكشوف، أظهروا أداءً متفوقاً حتى في بيئة ذات ارتباط عال.بالنسبة للمديرين النشيطين الذين يرجون الحصول على غنيمة وشيكة، فهم أمام أخبار سيئة. تشير أبحاث «لازارا» إلى أن الانتشار غالباً ما يسير جنباً إلى جنب مع التقلب. كان التقلب، عند قياسه بمؤشر فيكي، يعود بصورة شبه دائمة إلى مستوياته المتدنية التاريخية، التي سجلها أثناء فترة «الاعتدال العظيم» الذي سبق الأزمة. بالتالي تراجع الارتباط، لكن هذا لم يكن مفيداً بصورة كبيرة. تتحرك جميع الأسهم في نطاق قريب من بعضها بعضاً. حتى لو لم يكن يغلب عليها أن تتحرك في الاتجاه نفسه مع بعضها في وقت معين، ما يعني أنها أقل ارتباطاً، فإنها لا تعطي فرصة للأداء المتفوق القوي، لأن عوائدها غير متباعدة ومنتشرة على نطاق واسع. هناك أسباب تدعو للأمل. كانت 2013 سنة نادرة، حيث ارتفع مؤشر ستاندارد آند بورز 500 بصورة متواصلة تقريباً، ولم يشهد أي تصحيح حتى ولو بنسبة 5 في المئة. حين يكون التقلب متدنياً إلى هذه الدرجة، فإن من الصعب تكراره.تقلب الأسواق اقتران الانتشار العالي بالتقلب المتدني أمر غريب أظهر نفسه في الماضي، في طور الفقاعات، كما حدث في 1999، ومرة أخرى قبل الأزمة. بصورة عامة، مثل هذا التهاون يغذي تقلباً أعلى بكثير من مدى الهبوط. وبصورة عامة، في الوقت الذي تقترب فيه الأسواق الصاعدة من نهايتها، تصبح أكثر تقلباً. في أواخر التسعينيات، في الوقت الذي انهارت فيه سوق الأسهم الأميركية، فإنها شهدت عدة تصحيحات عنيفة.كان معنى هذا وجود تقلب عالٍ، لكنه كان يعني أيضاً نسبة عالية من الانتشار، بالتالي فإن الذين اتخذوا القرارات الصحيحة يمكن أن يبدو الواحد منهم ذكياً جداً فعلاً – وجمع مع ذكائه أصولاً بقدره. عدد من شركات الإدارة، التي تخصصت في أسهم النمو، اندفعت إلى الأضواء، في حين أن عدداً من المديرين من ذوي القيمة الكبيرة الذي جلسوا في الانتظار إلى حين انتهاء الفقاعة، وجدوا العملاء يسحبون الأموال وفي بعض الحالات الشهيرة يفقدون وظائفهم.مرحلة التراجع التدريجي في السوق الصاعدة يمكن أن تكون مناسبة رائعة لأن تظهر بمظهر الأذكياء، أو أن تبدو بمظهر الأغبياء، بالتالي فإن 2013 لم تنتج سوقاً لملتقطي الأسهم عند الإشارة، فإن لدى المديرين النشيطين أسبابا جيدة لأن يأملوا في سنة طيبة مقبلة، مع ارتفاع عوائد السندات، وهو ما يأتي معه عوامل اللبس، كما أن الصعود المستمر طوال خمس سنوات، تظهر عليه علامات كبر السن.تجميع الأصولمرة أخرى، ينبغي لـ «أبحاث لازارا» أن تخفف من حماستهم: أولاً لأن الفقاعة وقت طيب لتجميع الأصول لفترة، لكن على الأمد الطويل تؤذي إيمان الناس بأسواق الأسهم. كان التاريخ أرحم بكثير بالنسبة لمديري القيمة الذين جلسوا إلى حين انتهاء الفقاعة – حتى الذين لعنوا أنفسهم على أنهم فعلوا ذلك في حينه. كذلك تواجه الفقاعات المديرين بخيارات مؤلمة بين الأهداف قصيرة الأمد وطويلة الأمد.هناك مشكلة أخرى. تشير أبحاث لازارا إلى أن الانتشار العالي يسمح لأفضل ملتقطي الأسهم بأن يتفوقوا في الأداء على أسوأ ملتقطي الأسهم بصورة أفضل – لكنه لا يجعل ملتقطي الأسهم ككل أقرب إلى التفوق على المؤشر. حتى في 2008، أخفق معظم المديرين النشيطين في فعل ذلك. لم يكن ذلك مفاجئاً، لأن المديرين النشيطين معطَّلون بالحاجة إلى الدفع مقابل الأبحاث، وإلى ملتقطي الأسهم، وبالتالي فهم يتقاضون أتعاباً على إدارتهم. إذا ارتفع التقلب من هنا، وهو أمر متوقع طالما أن «الاحتياطي الفدرالي» يتخلص من التسهيل الكمي، فستكون أمام ملتقطي الأسهم الفرصة لأن يُظهِروا معدنهم. لمن يريدون استعادة الأرض التي خسروها أمام السلبيين الذين يتابعون الأسهم، أن يدفعوا لأنفسهم مبالغ أقل.* في عام 1949 كتب صامويل بيكيت مسرحيته الشهيرة «في انتظار غودو» التي تدور أحداثها المسرحية حول شخصيتين «فلاديمير» و»إستراجون» اللذين يوجدان على قارعة طريق مهجور بانتظار قدوم «غودو»، لكنهما في المقابل لا يعرفان من هو «غودو»، ولم يلتقياه من قبل، ولا يعلمان موعد قدومه، أو حتى في أي يوم هما، وإضافة إلى ذلك لا يعلمان لماذا يقومان بانتظاره في المقام الأول، كما أنهما ليسا متأكدين من صحة مكان وجودهما وإذا كان هو المكان المقصود بموعد اللقاء أم لا.(فايننشال تايمز)