أعتقد أن أزمة انعدام الثقة بالمسؤولين لن تتغير ولن تعيد المصداقية السياسية أو الأخلاقية مكانتها، ولن يستعيد الناس عافيتهم في الطموح والتفاؤل ما دامت ذات العقلية السياسية والإدارية سائدة، وما دامت ظواهر الفساد والتنفيع قائمة، وما دامت حالة الفوضى والواسطة والضرب بالقانون عرض الجدار هي السمة الرئيسة في حياتنا اليومية.

Ad

 منذ الإعلان عن خلو خمسة مقاعد في مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات تكميلية لا يوجد ما يدلل على آفاق جديدة للمستقبل السياسي، فالعزوف عن الترشح الجاد، والبرود الكبير تجاه المشاركة في هذه الانتخابات، مؤشران واضحان على حالة اليأس السياسي عند أغلبية الناس، ولا نتحدث هنا تحديداً عن القوى والمجاميع التي قاطعت الانتخابات الأخيرة أو من يصنفون في جهة المعارضة، إنما الجمهور الذي كان متحمساً لإنجاج المشروع الحكومي، واتخذ موقفاً مناقضاً على «عناد المعارضة»، فالكثير من هؤلاء بات يستشعر أن حالة التردي في البلد لا علاقة لها بالمجلس ولا المعارضة السابقة، فهي تستمر من سيئ إلى أسوأ ومن إحباط إلى آخر، في ظل استمرار الفضائح المالية ورائحة المشاريع المعطلة أو المنجزة بخراب ودون محاسبة أو عقاب.

الحكومة تعلن يومياً مشاريع جديدة؛ منها بناء المدن الإسكانية، وتوقيع عقود لبناء مستشفيات، ومنها خطط لطرق سريعة، ومنها البشارة بأن إستاد جابر «راح يتصلح»، وتعدنا بإحالة ملفات إلى النيابة وغيرها من الدعايات السياسية، والمجلس يكمل هذه البشاير مثل التأمين الصحي وتعديل قانون الأسرة للمعسرين، وأخيراً التقاضي المباشر إلى المحكمة الدستورية، مع العلم أن هذه القوانين كانت جاهزة ومعدة من المجالس السابقة.

ومع هذا كله ما زال المواطن يشعر بالاكتئاب، ومازال القلق من المستقبل يهيمن على عقول الناس، ومازالت النظرة بأن هذه الوعود هي ذاتها المكررة منذ سنوات طويلة، ومآلها إما الفشل أو النهب أو أنها سوف تكون لجيل الأحفاد في أحسن الأحوال، بحيث لا يقبل في حينها شكلها أو مضمونها الذوق العصري المتطور يومياً!

وأمام هذه الوعود الجميلة أيضاً تعلن الحكومة قرب إفلاس الديرة خلال ثلاث سنوات قادمة، فكيف يمكن لمثل هذه المشاريع أن تنجز وتترجم إلى أرض الواقع؟ فمن نصدق وبمن نثق وعلى من نعوّل؟!

أعتقد أن أزمة انعدام الثقة بالمسؤولين لن تتغير ولن تعيد المصداقية السياسية أو الأخلاقية مكانتها، ولن يستعيد الناس عافيتهم في الطموح والتفاؤل ما دامت ذات العقلية السياسية والإدارية سائدة، وما دامت ظواهر الفساد والتنفيع قائمة، وما دامت حالة الفوضى والواسطة والضرب بالقانون عرض الجدار هي السمة الرئيسة في حياتنا اليومية.

فهل الخروج مرة أخرى إلى طوابير الانتظار في عز الحر، ليس لاختيار مجلس جديد، إنما لإعادة انتخاب خمسة نواب لسد الفراغ العددي لمجلس استاء منه أكثر من انتخبه أساساً، سوف يصلح هذا الكم الكبير من المشاكل والهموم؟ هذا بالضبط هو تفسير ظاهرة الفتور الانتخابي!