تصاعدت حدة التداعيات السلبية لقرار رئيس الوزراء المصري بحظر عرض فيلم {حلاوة روح}، وإعادته إلى الرقابة لتفحص موقفه لتُجيزه مرة أخرى أو تُصادره نهائياً، وحدث ما توقعناه عندما كتبنا، في هذه الزاوية، أن قراراً بهذا الشكل سيمثل عودة إلى الوراء وتهديداً سافراً لحرية الإبداع، فضلاً عن أنه يعكس تغولاً من السلطة التنفيذية، ورغبة في توسيع رقعة الجهات الرقابية، فلا تصبح مقصورة على الإدارة العامة للرقابة على المصنفات، وإنما تتجاوزها إلى {الحكومة}، المؤسسات الدينية (الأزهر والكنيسة)، الجهات الأمنية و{المجلس القومي للطفولة والأمومة}!
كتبنا هذا في 21 أبريل الماضي، وقبل أن ينتهي الشهر خرج علينا وكيل الأزهر الشريف الدكتور عباس شومان ينتقد فيلم {سالم أبو أخته} بحجة أن بطل الفيلم محمد رجب ظهر وهو يرتدي زي الشرطة وفي يده صحيفة {صوت الأزهر}، وأكد أن المشهد {يحمل إسقاطاً بأن الأزهر يرعى الاستبداد}، وأضاف: {يبدو أن ثمة هجمة فنية منظمة تشن ضد الأزهر الشريف، تتمثل في إنتاج مجموعة من الأفلام الخليعة التي تنتهك أخلاقيات المجتمع المسلم، وتثير الغرائز لدى الشباب والمراهقين، بالإضافة إلى استقدام الأفلام الأجنبية التي تنتهك الثوابت الدينية (يُنوه إلى فيلم {نوح})، واختتم بقوله: {بعد الفيلم الهابط الذي أوقفه رئيس الوزراء مشكورا (يُشير إلى {حلاوة روح}) علمت بأن فيلما آخر ربما من نفس درجته من التدني أو أكثر يُعرض الآن، يتحدث عن الاستبداد والظلم، وتظهر في صورة الإعلان المروج له في اليوتيوب جريدة {صوت الأزهر} في يد أحد الضباط المستبدين، وكأنه لا يوجد جريدة أخرى يمكن أن تظهر في يد هذا الضابط}.مجدداً يتورط وكيل الأزهر، كأبطال واقعة فيلم {حلاوة روح}، في الحديث عن فيلم لم يُكلف نفسه بمشاهدته؛ فهو يقول: {علمت}، ويزعم أن الجريدة ظهرت في يد أحد الضباط المستبدين بشكل مُتعمد للإيحاء بأن الأزهر يرعى الاستبداد، ويُبالغ أكثر فيقول: {المشهد فيه إسقاط على أن الخلفية الثقافية للضابط يستقيها من منشورات الأزهر، وهو كذب وافتراء فالأزهر الشريف ضد الفساد والمفسدين أيّا كانت مواقعهم أو مراكزهم}، وينهي بقوله: {.. وليعلم من يسمون أنفسهم بالمبدعين أن الأزهر الشريف ليس غافلا ولا لاهياً، ولا يمكن أن يسكت على التطاول أو الزج به في ما لا يناسبه، وسيقف لهؤلاء بالمرصاد وسيلاحقهم بكل الوسائل المشروعة حتى يعلموا أنهم أدخلوا أنفسهم فيما لا قبل لهم به}!عبث بمعنى الكلمة لأن وكيل الأزهر كان يستطيع، قبل أن يُصدر هذا البيان العنتري، أن يُشاهد الفيلم ليعرف أن البائع المتجول {سالم أبو أخته} انتحل شخصية الضابط، ولم يكن تابعاً للداخلية، ولم يكن مستبداً، بل هو أقرب إلى البلطجي، ومن ثم فإن جريدة {صوت الأزهر} في يد الضابط المزيف لا تعني مُطلقاً أنها منشورات يستمد منها ثقافته وعنفه، وربما يكون اختياراً بمحض المصادفة أو فيه قدر من السذاجة والعشوائية ليس أكثر!فتح قرار رئيس الوزراء {أبواب الجحيم}؛ ففي أعقاب بث إعلان ترويجي للفيلم الجديد {بنت من دار السلام}، من تأليف طوني نبيه وإخراجه وبطولة راندا البحيري ورحاب الجمل، طالب عدد من أهالي المنطقة بسحب ترخيص العرض التجاري للفيلم بحجة أنه {يُسيء إلى كل بنت وكل رجل موجود في منطقة دار السلام}، وطالبوا بـ{محاكمة كل القائمين على العمل}، وتغيير عنوان الفيلم. كذلك هددوا بتدمير الصالات التي توافق على عرضه، والمفاجأة أن سيد خطاب مدير الرقابة الأسبق يُشارك في البطولة!سقط الحد الفاصل بين الواقع والخيال، بدليل أن السكان، الذين لم يشاهدوا الفيلم لأنه لم يُعرض بعد، تبرأوا منه وكأنه جريمة شرف أو انتهاك عرض، وقعت أحداثها في منطقتهم، وفي خطوة تُهدد بفتنة أهلية قالت سيدة من سكان المنطقة إن الوقائع غير الأخلاقية التي يناقشها الفيلم لا تحدث في دار السلام {المُحافظة}، بل تقع، على حد قولها، في المناطق الراقية مثل المهندسين ومدينة نصر (وكأنها بؤر دعارة). وفي تصعيد للأزمة قام بعض شباب المنطقة بتدشين حملة على موقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بمحاكمة مؤلف العمل ومخرجه!لا أبالغ عندما أرجع السبب في ما جرى من تطاول فج وفوضى أخلاقية وتمرد عبثي وانقلاب فظ على القواعد والأعراف المستقرة إلى رئيس الوزراء، الذي أحمله مسؤولية اختلاط الحابل بالنابل بعدما غادر منصبه ليمارس دور {الرقيب}، ما شجع البلطجية على تقمص دور رجال الشرطة، وأهدر المواطنون هيبة القانون، واستباحوا كرامة الوطن!
توابل
فجر يوم جديد: {أبواب الجحيم}!
05-05-2014