رأي : ثورةٌ صناعية جديدة

نشر في 16-07-2014
آخر تحديث 16-07-2014 | 00:01
 بلاك ستون "ثورةٌ صناعية جديدة تقوم على الابتكار نشهدها في جميع أنحاء العالم. مركز هذه الثورة هو ولاية كاليفورنيا الأميركية، لكنها تنشط أيضاً في عدد من الأماكن الأخرى في الولايات المتحدة وخارجها، حيث نشهد كل يوم تأسيس شركات جديدة قائمة على الإبداع. لكننا نجد بعض القصور في تقدير المستثمرين لأهمية هذا التغيير. ولا تقتصر الثورة الجديدة فقط على مجال تقنيات الإنترنت، بل نجدها أيضاً في مجال التقنية الحيوية. وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة، سنشهد طرح منتجات مرخصة تحقق مبيعات هائلة لعلاج السرطان وأمراض القلب. بينما تبقى أمراض أخرى مثل الزهايمر وباركنسون أصعب علاجاً. وفي مجال تقنية المعلومات، سيكون أهم المستفيدين "غوغل" و"فيسبوك" و"Salesforce.com" و"مايكروسوفت" و"أمازون" و"لينكدإن" وعدد من الشركات الأخرى، لكن ليس "تويتر" (التي أراها شركة تتغذى من الشركات الرئيسية الأخرى المحركة للتغيير). وتدفع هذه الشركات الناشئة شركة IBM إلى كتب التاريخ كرائدةٍ لعصر مضى. فهذه الشركات تعمل على تغيير طرق التصنيع والتعامل مع المخزون والنقل وجميع أشكال الاتصالات التي تجرى اليوم. وهذه الشركات تجني أرباحاً طائلة، ففي مجال التقنية الحيوية، سوف تساعد المنتجات الجديدة على إطالة الحياة وتقليل الاعتماد على الجراحة، وهذه أمورٌ لا تقدر بثمن.

"بشكل عام، أرى أن الولايات المتحدة ستحقق معدل نمو حقيقي يقارب 2 في المئة. أما النمو بمعدل 3 في المئة، فيحتاج إلى حدوث طفرةٍ في قطاع البناء، ولا أرى ذلك ممكناً في المدى القريب. وسوف يساعد استخدام الروبوتات على تحسين إنتاجية الشركات الصناعية، بحيث تبقى هوامش الربح مرتفعة، لكن سيكون من الصعب خفض معدلات البطالة. فالتقنية عظيمةٌ بالنسبة للعالم لأنها تتيح إنجاز كل شيء بكفاءة وسرعة أكبر، لكنّ المشكلة أنها تتطلب عدداً أقل من العاملين لصناعة السلع أو تقديم الخدمات، والطريقة الوحيدة لتوليد فرص العمل هي تحقيق نمو أسرع، وهذه غايةٌ أصعب من أن تدرك في اقتصاد ناضج. وإذا نظرنا إلى القطاع المصرفي، على سبيل المثال، سنجد أنه استغنى عن آلاف الوظائف حتى الآن، ولايزال تخفيض عدد الموظفين مستمراً. لذلك، يجب علينا أن نتعلم التعايش مع مستويات أعلى من البطالة وما يرتبط بها من قضايا اجتماعية وسياسية.

"ومن المشكلات الأخرى التي تواكب التوسع في استخدام التقنية، ارتفاع متطلبات المهارات اللازمة للحصول على وظيفة جيدة. إذ أضحى التعليم الجيد شرطاً ضرورياً، وحتى بعد ذلك سيكون من الصعب العثور على وظيفة مجزية. ونجد الكثير من الشباب لا يعملون في مجالات دراستهم أو تدريبهم. وحتى أولئك الذين يعملون في المجال المناسب لهم سيجدون أن زيادات الأجور بطيئة جداً.

"لن تشهد السوق عموماً تحركات كبرى على المدى المتوسط، لكن المبتكرين سيحققون نجاحاً جيداً، مع طفرات متفرقة في بعض القطاعات. ويشعر الجميع بالقلق من زيادة أسعار الفائدة، لكنني لا أعتقد أن ذلك سيحدث. ربما ترتفع أسعار الفائدة قليلاً في الدول المتقدمة من مستوياتها المنخفضة حالياً، لكن يوجد كثير من الأموال التي تبحث عن مكان آمن تنتظر فيه ريثما يصبح المنظور المستقبلي أكثر وضوحاً، ولذلك لا أتوقع تغييرات كبيرة في العائد على السندات السيادية عالية الجودة أو سندات الشركات فوق المستويات الحالية.

"قد تكون ألمانيا شؤماً على أوروبا التي تحتاج إلى المزيد من الأموال لتحفيز النمو. وقد خرجت أوروبا من الركود الانكماشي الذي ساهمت في حدوثه برامج التقشف المدعومة من ألمانيا، لكنها تنمو الآن بمعدل 1 في المئة فقط. وربما تحتاج القارة إلى جرعة من التيسير الكمي لتسريع النمو، لكنّ ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي (ECB)، يرفض تقديمها. ونجد مستشاريه الألمان يحضّونه على الحذر من التضخم، مع أن الغالبية في أوروبا قلقة من الانكماش وليس من التضخم. ومازال معدل التضخم في أوروبا أقل من 2 في المئة. لذلك أعتقد أن السياسات النقدية التيسيرية ستكون أمراً طيباً للاقتصادات في جميع أنحاء القارة. وقبل أسابيع قليلة، أعلن البنك المركزي الأوروبي بعض الخطوات التيسيرية الصغيرة، لكنها لم تكن كافية لإحداث أي تغيير عميق. هناك ظرف واحد يمكن أن يدفع البنك المركزي الأوروبي لتيسير السياسة النقدية بشكل كبير، وهو حدوث تباطؤ في الاقتصاد الألماني. وأعتقد أن ذلك سيحدث على الأرجح في العام المقبل، لكنني لن أفاجأ لو رأيت أنجيلا ميركل عندها تقنع ماريو دراغي بتحرير السياسة النقدية.

"أما بالنسبة للدول الأخرى في أوروبا، فأنا أرى الأمل يتجدد بشأن إيطاليا وإسبانيا واليونان والبرتغال، أمّا فرنسا فلا يمكن التنبؤ بها. وتواصل بريطانيا مفاجأتنا بأدائها الجيد، لكن ذلك يرجع أساساً للطفرة في قطاع الإسكان هناك، والتي ساهم فيها بشكل رئيسي مشترون من روسيا والشرق الأوسط.

"بالنسبة لإيران، فأنا متفائل بالتوصل إلى اتفاق يسمح لذلك البلد بالانسحاب من برنامج تطوير الأسلحة النووية. الكثير من الشباب في إيران يدركون ما يحدث في أماكن أخرى من العالم ويريدون المشاركة فيه. ولن يتمكن رجال الدين من كبحهم إلى ما لا نهاية. فالعقوبات الدولية تلقي بثقلها على البلاد، ويأمل الجميع برفعها، ما خلا القيادة العليا. والقصة الحقيقية في إيران وسائر العالم العربي هي أنّ 70 في المئة من السكان هم تحت سن الثلاثين، ويرغب هؤلاء الشباب في التغيير ويتطلعون لحياة أفضل. وإذا تم رفع العقوبات، سيتدفق الكثير من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى إيران وتُحدث طفرة هائلة. أما بالنسبة لسورية، فلا أرى أملاً كبيراً لهذا البلد. إذ يبدو أن الأسد ونظامه القمعي باقيان إلى أمدٍ غير منظور، وقد ينفصل الشمال الشرقي من سورية ليصبح جزءاً من العراق.

"في نهاية المطاف، أتوقع عودة إنتاج النفط في الشرق الأوسط إلى مستويات ما قبل الصراع أو أعلى من ذلك. ومع ذلك، أنا أتفق معك في أن زيادة الإنتاج لن تكون كافية لتلبية احتياجات الدول النامية، وخصوصاً الهند والصين، وأعتقد أن أسعار النفط تتجه إلى الارتفاع شيئاً ما. أمّا بالنسبة للذهب، فقد أصبح الآن فئة ثابتة للأصول على الرغم من إحجام أوروبا والولايات المتحدة عن تبنيه حتى الآن، ونجده جزءاً من جميع المنصات الاستثمارية المؤسسية تقريباً في الهند وأماكن أخرى كثيرة في آسيا. وأعتقد أن الاستثمار في الذهب، في مستوياته الحالية، قد أنشأ موطئ قدم له هنا، لكنني لا أعرف متى سوف يحقق صعوداً كبيراً. ولذلك أرى أنّ قدراً - ولو صغيراً - من الذهب يجب أن يكون جزءاً من جميع المحافظ الاستثمارية.

"بالانتقال إلى آسيا، أعتقد أن مساحة الصين الكبيرة وتنوعها الداخلي يشكلان تحدياً لقدرة الحكومة المركزية على حكم البلاد. ونتيجة لذلك، فإن السلطات المحلية في الأقاليم تملك صلاحيات كبيرة، ومن الصعب على بكين معرفة ما إذا كانت تلك السلطات تتصرف دائماً بما يتماشى مع خطط الحكومة المركزية. وعلى الرغم من أنّ الصين قد صعدت لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإن ذلك يرجع إلى حجمها وعدد سكانها، وليس إلى متوسط دخل الفرد فيها. ومع ذلك، لا أتوقع أن تواجه البلاد هبوطاً حاداً لأنها تملك قدراً من السيطرة على الاقتصاد يكفي لتجنب ذلك. لكن، ليس لدي حالياً أي استثمارات هناك. كما زرت اليابان وأنا معجب بأدائهم الاقتصادي الآن. لكن الشعب لايزال بحاجة لما يرفع ثقته بنجاح سياسات شينزو آبي. ولدي حالياً بعض الاستثمارات في اليابان. وفي ميانمار، أتوقع حدوث طفرة كبيرة، على الرغم من أن الجيش مازال يستأثر بالسلطة.

"أمّا بالنسبة لبقية العالم، فليس هناك الكثير مما يثير الاهتمام. أعتقد أن إندونيسيا هي سوقٌ للسلع أكثر مما هي سوقٌ صناعية، ولذلك فإن صعود الأسهم فيها مرتبط بتحسن أداء السلع، لكنني لا أستطيع التنبؤ بحركة أسعار السلع. وبخصوص أميركا اللاتينية، لديّ نظرة متفائلة بالنسبة للأرجنتين، وأعتقد أن البرازيل ستتعافى لكن الوقت لايزال مبكراً للاستثمار هناك.

"وأخيراً، يبدو الجميع منزعجاً من ضعف التقلبات في السوق، لكنّ التقلبات هي نتاج الفوائض، ولا نجد اليوم الكثير من الفوائض. أعتقد أن تقييمات الأسهم في الولايات المتحدة عادلة إلى حد ما، وأن اقتصادها يتعافى، مع استقرار سوق السندات الأميركية عند مستويات منخفضة جديدة للعائدات. ولا أعتقد أن الشرق الأوسط سيشهد انفجاراً. على الرغم من كل ذلك، يبقى الخوف مهيمناً على الكثيرين، وربما يدفع ذلك الأسواق إلى الارتفاع في المستقبل. وبالنسبة لأوروبا، ثمّة مجالٌ واسع لزيادة الاستثمارات، فقد شغل إنقاذ الاتحاد الأوروبي واليورو المستثمرين وأثناهم عن الاستثمار هناك على مدى العامين الماضيين. وسيمهد تنامي القوة الاقتصادية الطريق لمزيدٍ من التغييرات الهيكلية، مثل إنشاء اتحادٍ مصرفي وزيادة التقارب المالي في أوروبا".

* بايرون واين ، نائب رئيس شركة بلاك ستون

back to top