مرافعة : في عيد ميلاده تنتهك مواده!
على الرغم من مرور 53 عاماً على صدور الدستور والاستقلال، إلا أن محاولات الاعتداء على مبادئه وتعمد تعطيل نصوصه مستمرة، والعمل على تأليب الرأي العام ضده بأنه هو السبب وراء مصائبنا، يمضي بلا توقف، والدفع نحو تعديله والمجيء بآخر، هما الهدف الذي يعمل على تحقيقه بعض المتربصين بالدستور!53 عاماً على صدور الدستور ومحاولات الانقضاض على حقوق الأفراد وحرياتهم التي كفلها لهم مستمرة، تارة على شكل مراسيم ضرورة، وتارة أخرى على شكل قوانين واتفاقيات هدفها الانتقاص من الحقوق الطبيعية التي أولاها الدستور للأفراد وأسمتها المذكرة التفسيرية بـ»بحبوحة الحقوق السياسية»، والتي حرص واضعو الدستور على ورودها بالشكل الذي يسمح للإنسان بأن يعيش بكرامة، شأنهم شأن الأمم التي تضع للإنسان قيمة، وتمنح اعتباراً لآدميته، كما أن نص الدستور على ضرورة توافر تلك الحقوق للإنسان لم يكن من قبيل المنة أو التفضل، بل جاء حرصاً منه على أن يمارس حياته، متمتعاً بحرية الرأي والتعبير عنها، فضلاً عن حريات الفكر والتنقل واللجوء إلى القضاء لاسترداد حقوقه، وأن يهنأ بحياة خاصة لا يمكن لأيٍّ كان التعدي عليها أو النيل منها، إلا وفق القانون وتحت أعين القضاء.
اليوم وبعد 53 عاماً من تطبيق الدستور، وبدلاً من أن تخطط الحكومات لتوفير الحياة الكريمة للمواطن أصبحت عاجزة عن إراحته وتوفير الحياة الطبيعية له، عبر توفير الخدمات التي نص الدستور على تحقيقها كالصحة والتعليم والإسكان، بعد أن عجزت عن تطبيق القانون، والذي أصبح أمر تحقيقه ضرباً من الخيال، شأنه شأن شعار الإصلاح الذي تتغنى به الحكومات من أجل تهدئة الرأي العام لتواري مظاهر الفساد المختلفة! اليوم وبعد 53 عاماً، وبدلاً من أن تنشأ الهيئات الرسمية الداعمة لحقوق الإنسان، وتشدد النصوص على معاقبة من ينال من كرامة الإنسان وحرياته الطبيعية بات هم الإنسان الخشية على نفسه من التعرض لأي نوع من أنواع الاتهام، وخير دليل ما يكشفه الواقع الأليم للحالة المهينة التي يعامَل بها، بسبب تقمص بعض رجال الشرطة دور الضابط والمحقق والقاضي والسجان ومنفذ العقوبة في وقت واحد، بل ويكشف الواقع الأسوأ حجم المعاناة النفسية التي يعيشها المتهم بعد أن يصدر قرار بسجنه، فتبدأ رحلة إهاناته منذ استلامه من السجن حتى إحضاره إلى المحكمة ومرورا بمرحلة تكبيل يديه ورجليه ونقله عبر الممرات أمام الجميع، ولا ينتهي الأمر إلى هذا الحد، بل ينتقل السجين إلى مشهد آخر يتمثل بالتهديد والوعيد بعد إطلاق جملة من السباب والشتائم عقب إحضاره إلى قاعات تجديد الحبس أو المحاكمة!53 عاماً، والدستور يعترف بالقضاء كسلطة ثالثة، شأنها شأن السلطتين التنفيذية والتشريعية، إلا أن القضاء وإلى يومنا هذا، وللأسف، بلا استقلال مالي وإداري بسبب عدم رغبة إحدى السلطات في تحرير رقبته إدارياً ومالياً، بل تصر على التعامل معه على أنه مرفق لا سلطة، علاوة على محاربتها لفكرة استقلاله المالي بأعذار مسيئة للقضاء، بدلاً من الحفاظ على سمعته، وهو الذي يفصل يومياً في ملايين الدنانير، فضلاً عن كونه مؤتمناً على حياة الناس وأعراضهم وحقوقهم!53 عاماً، وبلد الحريات مازال فيه العديد من قوانين أمن الدولة المعيبة والمخالفة للدستور، والتي قد تجد مكانها الطبيعي في دول الجمهوريات لا دول الدساتير، بل ويتجه برلمانه وللأسف إلى التصديق على نصوص أمنية أشد عن طريق اتفاقية أمنية تهدد سيادته وتنتهك اتصالات أفراده وخصوصيتهم وتهدر حقوقهم وضماناتهم التي كفلها لهم الدستور وتشغلهم بملاحقات أمنية لمجرد التعبير عن رأيهم!