منع النشر... بين حق الأفراد بالاطلاع وخصوصية التحقيق
النيابة: الحظر يشمل كل وسائل الإعلام ومنها «التواصل الاجتماعي»... ومن يخالف ذلك يُعرّض نفسه للمساءلة القانونية
يرى د. الفيلي أن قرار النائب العام حظر النشر يكون في الأمور الداخلة بالتحقيق ذاته، أما تناول الواقعة على نحو مجرد قبل أن تنتقل إلى التحقيق فلا ينصرف إليه منع النشر.
عقب التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة في واقعة الشريط وسماعها أقوال الشاهد الشيخ أحمد الفهد، أصدر النائب العام المستشار ضرار العسعوسي قراراً بمنع النشر في قضية الشريط على وسائل الإعلام المطبوع والمرئي والمسموع ووسائل التواصل الإلكتروني، وهو الأمر الذي دعا وزارة الإعلام على الفور إلى مخاطبة جميع الصحف والفضائيات بقرار النائب العام بحظر النشر والبث.وبينما تدوال النقاش بين الأوساط القانونية حول قانونية قرار النائب العام بمنع النشر وكيفية تنفيذه والآليات المتبعة لذلك أكدت مصادر مطلعة في النيابة العامة لـ»الجريدة» أن قرار النائب العام يستند إلى جملة من القوانين التي تسمح له بمنع النشر على الصحف والفضائيات، وحتى وسائل التواصل الاجتماعي، لافتة إلى أن وزارة الإعلام قامت بإحالة عدد من الصحف المخالفة لقرارات النائب العام والتي تعمدت النشر، وأن النيابة تدرس اتخاذ الإجراءات القانونية التي كفلها الدستور في مساءلتها قانونيا.وأوضحت المصادر أن النائب العام المستشار ضرار العسعوسي يستند في قراره بمنع النشر وفق التعديل رقم 3 لسنة 2012 على قانون المطبوعات والنشر، وأن المادة 15 من قانون المطبوعات والنشر تنص على أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة أو رئيس دائرة الجنايات تعطيل الصحيفة مدة لاتجاوز أسبوعين، وأن النشر يشمل كل وسائل النشر المعتمدة وفق قانون الجزاء.وبينت أن قرار النائب العام بمنع النشر يشمل النشر إذا ما تم في الصحف أو الفضائيات او الاذاعات أو حتى وسائل التواصل الاجتماعي إذا ما خالف قانون الوحدة الوطنية أو خالف المادة 15 من قانون أمن الدولة التي تجرم إذاعة الأخبار الكاذبة أو بث الاشاعات، مضيفة أن المعني بتطبيق قرارات النائب العام هو وزارة الاعلام المسؤولة عن الإشراف على الصحف والفضائيات وكذلك وزارة الداخلية ممثلة بالادارة العامة للمباحث الجنائية المسؤولة على وسائل النشر سواء كانت وسائل التواصل الاجتماعي أو الندوات.ولفتت المصادر إلى أن القوانين المطبقة على من يخالف الحظر هي قوانين الوحدة الوطنية التي تعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز 7 سنوات كل من يخالف نصوص القانون، وكذلك قانون أمن الدولة الذي تعاقب المادة 15 منه كل من يذيع الاخبار الكاذبة والاشاعات المضرة بمصلحة البلاد بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات. تداول المعلوماتوللتعليق على قانونية قرارات حظر النشر من جهات التحقيق بشكل عام يقول الخبير الدستوري وأستاذ القانون العام بكلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد الفيلي ان من حق المجتمع الإنساني أن يطلع على مواضيع بطبيعتها تجذب اهتمام الجماعة، وهذا الأمر واجب لاستمرار تداول المعلومات داخل الجماعة، ويأتي السؤال هل الاطلاع على المعلومات من قبل الجماعة حق مطلق أم أن هناك مصالح تحد من إطلاقه والحصول على المعلومات تحت دواع حماية الحياة الخاصة ومنها أيضا حماية العدالة من التأثير عليها عبر النشر خلال مرحلة التحقيق؟ويضيف الفيلي أن قرار النائب العام بمنع النشر يكون في الأمور الداخلة بالتحقيق ذاته، بينما تناول الواقعة على نحو مجرد قبل أن تنتقل إلى التحقيق فلا ينصرف إليها منع النشر، لافتا إلى أنه عن موضوع الشريط تحديدا فمن الممكن لجهة التحقيق أن تقرر منع التداول بشأنها.وسائل النشر فقطويقول الفيلي ان أمر المنع للنشر ينصرف على وسائل النشر فقط، بينما لا يمكن أن ينصرف إلى وسائل الحديث الأخرى في المجتمع كالدواوين ووسائل التواصل الاجتماعي لأن هذا التداول خارج إمكانيات المشرع ولا يمكن بالاصل منعها، وهذا الواقع يدعونا الى التساؤل عن جدوى منع النشر خصوصا أن هناك وسائل لا يمكن ضبطها أصلا، وذلك لأن حسن إدارة الأزمة يقتضي وجود آليات للتحكم المنضبط لمنع النشر، ومثل ذلك يتعين على جهة التحقيق أن تقدر الحد الذي يمكن من خلاله بيان ما تتضمنه القضية بما لا يضر التحقيق للجماعة لتخفف من أزمة الإشاعة ومثل هذا الجهد يحتاج إلى جهات تحقيق متدربة على اختيار ما يعد نشره ممكنا وإبعاد نشر ما يضر التحقيق.ويبين قائلا «ان الحكومة وفقت بعرض واقعة الشريط بجلسة سرية على مجلس الأمة لان المخفي دائما يفتح الشهية ويضر الحقيقة وقام المجلس بعرض بيان عما رآه في الجلسة وهو لم يصدر حكما، ولم يقل رأيه بالموضوع خصوصا أن المجلس يمثل الجماعة التي من حقها أن تطلع على المعلومات». مساس بالوحدةبدوره يقول أستاذ القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. فيصل الكندري إن بيان النيابة العامة اعتبر أن تداول محتوى الشريط فيه مساس بالوحدة الوطنية، وكذلك بالاستناد إلى بيان الديوان الأميري الأمر الذي يمكن معه تطبيق قانون الوحدة الوطنية الذي يمتد إلى وسائل الاتصال الاجتماعي، لافتا إلى أن قرار النائب العام أبلغ من حظر تداول مجريات التحقيق الذي قرر سريته بل شمل تداول محتويات الشريط الذي اعتبره ماسا بالوحدة الوطنية، وأن قانون الوحدة الوطنية قانون جبار يكفي التلميح به ليصمت الجميع.ويضيف قائلا «ان بيان النيابة العامة يحتاج إلى توضيح، هل المقصود منع نشر أي تداول لمجريات التحقيق أم مضمون الشريط؟ وبيان تحديد القانون الواجب التطبيق في حال المخالفة، مبينا أن المادة 15 من قانون أمن الدولة تسمح في حال تكييفها تجريم أي إشاعة من شأنها أن تضر بالمصالح القومية العليا للدولة».إساءة بالغةمن جانبه، قال استاذ القانون الجزائي بكلية الحقوق د. محمد بوزبر إن قرار النائب العام الأخير بجعل التحقيق سريا في التحقيقات التي تباشرها النيابة العامة بشأن ما تردد عن نشر تغريدات ببرامج التواصل الاجتماعي بشبكة الإنترنت عن وجود شريط تسجيل يحتوي على معلومات وبيانات تدين بعض الاشخاص بالتآمر لقلب نظام الحكم في البلاد والطعن في حقوق وسلطات سمو امير البلاد، بالإضافة الى منع نشر أي أخبار أو بيانات في وسائل الاعلام وبرامج الشبكات الإلكترونية، يشكل إساءة بالغة الى المصلحة العامة، ويلحق أشد الأضرار بالمصالح الوطنية للبلاد إعمالا بنص المادة المعدلة 2/75 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.وأضاف د. بوزبر انه من المؤكد أن سرية الإجراءات الجنائية بشكل عام ترمي إلى تحقيق مجموعة أهداف تتعلق بالمصلحة العامة، منها على وجه الخصوص ضمان فعالية ما يقوم به رجال الضبطية القضائية من مهام وإجراءات وتحريات أثناء البحث التمهيدي والتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة والبحث عن مرتكبيها وكذلك الأمر بالنسبة إلى المجهودات التي يبذلها وكيل النيابة في ما يتعلق بتحديد هوية المتهم وجمع أدلة الإدانة.الالتزام بالسريةويمكن الإشارة إلى الملزمين بسرية البحث والتحقيق الذين يرتكبون قانونا جنحة الإفشاء، إن هم أفشوا أسرار التحريات أو إجراءات التقصي على بعض الأشخاص، باعتبارهم من الأمناء على الأسرار بحكم وظيفتهم، سواء منهم الذين قاموا بالتحريات وجمع الأدلة والبحث عن مرتكبي الفعل بأنفسهم أو الذين اطلعوا عليها بسبب وظيفتهم، أو تمكنوا من معرفتها عن طريق من قام بها أو عن طريق مساعديهم أثناء ذلك البحث.ومنح التعديل الاخير لقانون الاجراءات الجزائية صلاحيات واسعة للنائب العام في منع وسائل الاعلام بكل انواعها أن تتناول بالنشر أو النقد اي موضوع محال الى التحقيق في اروقة النيابة العامة، وهي من الاجراءات الوقائية والاحترازية التي تطلبتها ظروف الحال في وقتنا المعاصر وذلك لانتشار وسائل الاتصال الاجتماعي وشبكات الانترنت بين الناس، تفاديا للنقص الحاصل فى المعالجة الموضوعية للجرائم المعلوماتية التى يفتقدها التشريع الكويتي، تحفظ «المحامين»بدوره قال رئيس جمعية المحامين الكويتية المحامي وسمي الوسمي أن الجمعية سبق لها أن أكدت تحفظها بمنع النشر بشكل عام تجاه أي قضية تهم المجتمع لما لهذا المنع من تعارض مع حق الأفراد بالراي والتعبير عنه وحقهم بالاطلاع على المعلومات الكاملة تجاه أي من القضايا العامة.ويضيف الوسمي قائلا ان قرار المنع الذي كفله المشرع وفق قوانين المطبوعات والإجراءات والمحاكمات الجزائية ليس بحق مطلق، وإنما هو استثناء من الأصل العام الذي كفله الدستور من أحقية الأفراد بحريات الرأي والتعبير عنها، وأن هذا الاستثناء يجب أن يؤخذ بالقدر المرتبط بالمعلومات الخاصة بتفاصيل التحقيق والتي من الممكن حظر النشر فيها طالما أن الكشف عنها سيضر مصلحة التحقيق والعدالة.ويؤكد أن على النيابة العامة أن تطلع الأفراد على القرارات التي تتخذها في القضايا الهامة التي تحقق فيها والتي قررت منع النشر فيها حفاظا على حق الافراد بالاطلاع ومنعا للإشاعات والتكهنات وهو مسلك يتبعه العديد من أجهزة التحقيق في الكثير من الدول الخارجية، داعيا المشرع الكويتي إلى ضرورة مراجعة التشريعات الخاصة بأمر منع النشر ووضع ضوابط لجهات التحقيق لاتخاذ قرارات منع النشر فيها حتى يكون المنع بأضيق الحالات لكونه استثناء على الأصل العام.