تُعيد الذكرى السنوية السابعة والثلاثون لرحيل عبد الحليم حافظ (21 يونيو 1929 - 30 مارس 1977) الحديث عن ظاهرة «المطرب الممثل»؛ أي المطرب الذي يستثمر المنتجون شهرته وذيوع صيته ليصنعوا منه نجماً سينمائياً، ولأن النية، في حالات كثيرة، لم تكن خالصة لوجه الله، وغايتها رخيصة إلى حد كبير، كانت التجربة تتعثر، وتُمنى بالفشل الذريع، غير أن الأمر يبدو مختلفاً، إلى حد كبير، في حال عبد الحليم علي شبانة، الذي اكتشفه الإذاعي الكبير حافظ عبد الوهاب ومنحه اسم «حافظ»!

Ad

  نجح عبد الحليم حافظ في استثمار الفرص التي أتيحت له، ومنذ أن خاض تجربته الأولى كممثل في فيلم «لحن الوفاء»(1955) ترك انطباعاً مريحاً لدى ملايين المشاهدين، ونجح نجاحاً مُذهلاً، ما شجع المنتجين على ترشيحه لبطولة ثلاثة أفلام أخرى، في نفس العام، هي: «أيامنا الحلوة»، «ليالي الحب» و«أيام وليالي»، وبعد ذلك العام، الذي وصف بأنه «عامه الذهبي» شارك في بطولة اثني عشر فيلماً ليصل رصيده الإجمالي إلى ستة عشر فيلماً نافس بها نجوم السينما المحترفين.

  امتلك عبد الحليم حافظ «كاريزما» أجبرت نجمات السينما المصرية على الموافقة، من دون تردد، على مشاركته بطولة أفلامه؛ مثلما فعلت فاتن حمامة في فيلمي «أيامنا الحلوة» و«موعد غرام»، وشادية في «دليلة» و«معبودة الجماهير» و«لحن الوفاء»، وماجدة في «بنات اليوم»، ومريم فخر الدين في «حكاية حب»، ونادية لطفي في «الخطايا» و«أبي فوق الشجرة»، ولبنى عبد العزيز في «الوسادة الخالية»، وصباح في «شارع الحب»، وسعاد حسني في «البنات والصيف»، وزبيدة ثروت في «يوم من عمري»، فضلاً عن: إيمان، آمال فريد، زيزي البدراوي وميرفت أمين التي شاركته بطولة آخر أفلامه «أبي فوق الشجرة» (1969)، وهو الأمر الذي تكرر مع النجوم الكبار: عمر الشريف، أحمد رمزي، رشدي أباظة، حسن يوسف بالإضافة إلى: عماد حمدي، محمود المليجي، حسين رياض، عبد السلام النابلسي وعمر الحريري، الذين شاركوه البطولة في تجربة غير مسبوقة مع أي مطرب اتجه إلى التمثيل، بناء على طلب المنتجين، وتوهم أن احتكاره البطولة سيضمن له النجومية!

  أرجع كثيرون النجاح الكبير، الذي تحقق للمطرب عبد الحليم حافظ في تجربته السينمائية، إلى الحب الجارف الذي يكنه الجمهور تجاهه، كمطرب عاطفي أسهم في تشكيل وجدان الأجيال المتعاقبة، والدور المشهود الذي لعبه في تأجيج مشاعر الملايين، عبر أغانيه الوطنية التي ألهبت الأفئدة، وبثت النخوة الوطنية في النفوس، لكن ما لا يعرفه كثيرون أن الذكاء الذي كان يتمتع به «حليم» أدى دوراً كبيراً في هذا النجاح؛ إذ أدرك، بحسه المُرهف، ووعيه الفطري، أن الحبكة الدرامية لها دور في إجبار الجمهور على التجاوب مع أفلامه، فما كان منه سوى أن أبرم اتفاقاً شفهياً مع كتاب ومخرجي ومنتجي أفلامه يُلزم الجميع بصنع أفلام تدغدغ المشاعر، وتنتزع التعاطف، من خلال جرعة عاطفية «ميلودرامية»، لا تختلف كثيراً عن سيرته الذاتية، يقوم فيها بدور الشاب العصامي الفقير (المريض)، الذي يمتلك صوتاً جميلاً، ويطمح في أن يصير مطرباً شهيراً، وتأتي النهاية السعيدة لتحمل إلينا خبر نجاحه في قهر المرض والظروف، ويُصبح مطرباً ذائع الصيت، ويتزوج الفتاة التي تعلق بها قلبه!

  في هذه «المعادلة» يكمن سر نجاح أفلام «العندليب» بدرجة لم تتوافر لأي مطرب، منذ عرفت السينما المصرية ظاهرة تحويل المطربين إلى ممثلين، على يد المخرج محمد كريم الذي قدم المطرب محمد عبد الوهاب في فيلم «الوردة البيضاء» (1933)؛ إذ أخفق «عبد الوهاب» في استثمار الفرصة، بعدما أهمل فن التمثيل، واهتم بتقديم نفسه كمطرب، وراح يُقدم ثماني أغنيات، وكأنه في استديو إذاعة أو على خشبة مسرح في حفل غنائي، وبدلاً من أن يتدارك الخطأ أصر على تقديم عشر أغنيات في فيلمه الثاني «دموع الحب» (1935)، ولم يختلف الحال كثيراً في أفلامه الستة الأخرى فانصرف عنه الجمهور، ولم يعد يتذكر من أفلامه سوى ضحكته الهزلية (!) بعكس فريد الأطرش، الذي وصل رصيده كممثل إلى 31 فيلماً.

  المفارقة العجيبة أن الإخفاق تكرر مع المطربات: منيرة المهدية، بديعة مصابني، نجاة علي، ملك، نادرة وأسمهان اللواتي واجهت أفلامهن فشلاً ذريعاً، ولحقت بهن أم كلثوم، التي قدمت في فيلمها الأول «وداد» (1936) تسع أغنيات، وسارت على النهج نفسه في أفلامها الخمسة الأخرى: «نشيد الأمل»، «دنانير»، «عايدة»، «سلامة» و«فاطمة»!

  التجربة الناجحة، غير المسبوقة، للمطرب عبد الحليم حافظ على الشاشة الكبيرة كانت وراء حماسة عدد غير قليل من المطربين لاقتفاء أثره؛ مثلما فعل: محمد رشدي، محرم فؤاد، مدحت صالح، عمرو دياب، محمد فؤاد، مصطفى قمر، خالد سليم، عامر منيب، حمادة هلال، تامر حسني، حكيم، فارس وساموزين  غير أنهم أصيبوا بعقدة مزمنة اسمها «عبد الحليم حافظ»!