{الطير الأبابيل} رواية مجهدة في القراءة، ليس لكثرة صفحاتها، بل لأنها تعالج قضايا فكرية معاصرة، وتستخدم لغة غير تقريرية، وتتأرجح من حياة إلى حياة، ومن زمن إلى زمن، وتسهب في رسم أحداث مرحلة من تاريخنا الفكري والاجتماعي المحلي بالذات.

Ad

حتما لن يستمتع بها القارئ الذي يبحث عن الإثارة، أو من يستمتع بقضايا اجتماعية يومية مستهلكة قد تحدث يومياً، لهذا ترددت أكثر من مرة في إكمالها، وفي أحيان أخرى تركتها جانباً. لكن عدت إليها، وكنت في سفر لكبح ساعات ملل أثناء سفري في طائرة محلقة في سماء أوروبية، وأكملتها وأنا أجلس على مقعد في الدرجة الأولى في قطار يعبر من مدينة أوروبية إلى أخرى، وكانت الرحلة تتجاوز أربع ساعات، وما إن انتهيت حتى تنفست الصعداء، لقد استمتعت بها أخيراً.

من بداية الصفحات الأولى، وحتى من لون غلاف الكتاب نتبيَّن القضية التي ستطرح حيث يأتي السرد التالي: {من كوة نافذة الطائرة، يحدق غير مصدق لما يراه. الطائرة تقترب اقتراباً غير مسبوق من ناطحات سحاب انتصبت لعبادة الأوثان، صنعت من حديد وزجاج ونار وأسمنت، تدنو الطائرة منهم أكثر فأكثر...}.

من ذلك السرد يتأكد لنا أن الكاتب سيعالج كارثة 11 سبتمبر، وهل بإمكان كاتب شاب أن يتعرض لمثل ذلك الحدث الذي هز العالم، وغير وجه عالمنا العربي والإسلامي... يصعب ذلك. قد تكون محاولة منه رغم أن المحاولة قد تكون صعبة ومجهدة.

 كُتبت الرواية بلغة رزينة وثابتة، مع وصف دقيق لتحركات أبطال العمل، وقد برع في الوصف لكل واردة وشاردة. حتى إنك تفكر كيف استطاع الكاتب استخدام الوصف لتقديم صورة أوضح لعمله، لكن اعترف بأن هذه الرواية يفترض أن تكون ضمن قوائم الترشح لجائزة البوكر، أو أي جائزة ثقافية رفيعة أخرى... السؤال لماذا؟

غياهب غوانتنامو

لا تتحدث الرواية عن أحداث عادية تمرّ بها المجتمعات، إنما عمَّا حدث في 11 سبتمبر وغزوة مانهاتن، وكيف تأثيرها على مجتمعاتنا العربية، خصوصاً الإنسان العربي والمسلم. الكاتب لم تكن هذه قضيته الأساسية فحسب، إنما راح يرصد تطورات المجتمع الكويتي، بالذات الفكرية والاجتماعية منذ الخمسينيات، وحتى بعد أن زج ببعض شبابنا العربي والمسلم في غياهب غوانتنامو.

بطل الرواية الشاب الكويتي فهد الجبران، وهو محور العمل من بدايته إلى نهايته، حيث ابتدع الكاتب تأريخ حياة فهد هذا، من طفولته إلى آخر يوم زج فيه إلى مقاعد طائرة تأخذه إلى مكان قصي عن الأهل والأحباب، فهد يجد نفسه في وسط الأحداث، حيث يكون متواجداً في أميركا، وبهذا يتهم بمشاركته بالجريمة التي هزت العالم، حيث راحت تتساقط الأبراج العتية لأكبر دولة في العالم ومرغت كرامتها.

يعيش الجبران حياة متقلبة، ويرسم مذكراته من طفولته، فيبحث في بدايات تأسيس جمعية الإرشاد التي تتبع الإخوان في الكويت، فيقول: {حيث جاء نفر من مكة بعد موسم الحج حيث تم الالتقاء بحسن البنا هناك}.

ويتذكر قول الشيخ في معسكر الصحبة الصالحة في الكويت حيث يخاطبه ويخاطب رفاقه قائلا: {هم صحبة صالحة، والذهاب والمجيء معهم، أفضل من التسكع في الطرقات بلا هدف، مع ابن فلان وابن فلنتان، الذين انحرفوا عن الدرب، الانضمام إلى معسكر الصفوة لقتل أعداء الأمة من اليهود والنصارى، يتآمرون على أمتنا ليل نهار، وتحرير القدس الذي لن يأتي فجأة من دون حشد، وأول حشد هو إقامة دولة تحكم بالدين، فالحكومات لا تحكم بما انزل به الله}.

كلام يلهب فهد في مرحلة المراهقة، ولكنه يخرج من هذا النطاق ويعود, ثم يروح يحكي عن فترة الغزو العراقي الآثم، وكيف كان يحرق أكوام الزبالة مع الصبية في الحي، بينما تجوب الشوارع مدرعات الجيش العراقي المحتل، فهد يعيش بين نار منيرة ونجلاء بنت الجرهمي، وحياة في أميركا تقوده إلى جهاز استخبارات لا يرحم.

كلام مطول

ليس من واجبنا في هذا العرض أن نكشف تحركات فهد الجبران كافة في كلام مطول، وكيف تقوده مغامراته، إنما نتركها لقارئ مهتم إن وقعت الرواية بين يدي. لكن الملاحظ أن الكاتب أسهب في الوصف مما ساهم في تعظيم صفحات الكتاب، رغم أنه ليس كل كاتب يملك هذه المقدرة الصعبة. لكن هل الإسهاب في الوصف يقود إلى ملل؟ أعتقد ذلك. كذلك راح يكشف ملامح المجتمع الكويتي لعقود طويلة، وكان هذا بحاجة إلى بحث تاريخي، وأعتقد أنه نجح.

لكن ثمة التباس تاريخي حصل، فذُكر في الفصل 40 أن حادثة الصامتة وقعت في عهد الشيخ عبدالله السالم، لكن الصحيح أنها حدثت في عهد الشيخ صباح السالم، ولا علاقة لا بتهديد عبدالكريم قاسم في عهد الشيخ عبدالله السالم. يحتاج الكاتب إلى تصحيح ذلك في أي طبعة قادمة إذا تأكد من ذلك. كذلك لا بد من ناقد أكاديمي لتقديم تصور علمي أفضل للرواية.

أخيراً، نشد على يد عبدالوهاب الحمادي وروايته {الطير الأبابيل}، وهي الرواية القيمة، وحتماً سيجد فيها أي متلق يهتم بالشأن الاجتماعي والفكري المحلي، فائدة في سبر أغوار عقود زمنية من حياة مجتمع، قد لا يكون هو من مواليده.

يذكر أن الطبعة الثانية من الرواية صدرت في أكتوبر 2013، والكتاب من القطع المتوسط، وعدد الصفحات يتجاوز 300 صفحة، ومقسم إلى ما يقارب 50 فصلاً.