عاد الحديث عن الفقاعات من جديد، لاسيما مع وصول مؤشر "داو جونز" إلى أعلى مستوياته على الإطلاق. وعمدت شركة "تويتر" التكنولوجية التي تسجل خسائر إلى تعويم أسهمها في ضوء طلب هائل من المستثمرين. وتقوم مجموعات حقوق الملكية الخاصة بشراء شركات مستخدمة في ذلك أحجام من الديون لم نشهدها منذ سنة 2008.

Ad

وبلغ سعر المنزل الفاخر في مانهاتن رقماً قياسياً وصل إلى أكثر من خمسين مليون دولار. كما أصبحت لوحة للفنان فرانسيس بيكون القطعة الفنية الأغلى حيث بيعت الشهر الماضي في مزاد لصالة "كريستي" بسعر بلغ 142.4 مليون دولار. وقد أعرب روبرت شيللر من جامعة ييل والحائز نوبل في الاقتصاد 2013 الذي حدد بصورة صحيحة الفقاعات في الأسهم التكنولوجية في أواخر التسعينيات من القرن الماضي وفي حقبة الـ2000، عن عدم ارتياحه حيال تقييمات الأسهم الأميركية المتصاعدة بقوة.

ويشير هذا كله الى أن المستثمرين الأثرياء أصبحوا على ثقة متزايدة... ويبقى السؤال حول هل هم على حق في ذلك؟

الغنيمة التالية

في ظل ظروف معينة يمكن تبرير الارتفاع السريع في أسعار الأصول. ويمكن لصناعات جديدة أن تظهر وتشكل مؤسسات عملاقة ("مايكروسوفت" و"أبل" و"غوغل" على سبيل المثال) وتستطيع دول تغيير سياستها الاقتصادية وتنمو بسرعة (اليابان في ستينيات القرن الماضي، والصين في التسعينيات). إذاً كيف لنا أن نميز بين السوق المضارب على الصعود من جانب والفقاعة على الجانب الآخر؟

يصف الخبير الاقتصادي شيللر الفقاعة بأنها مثل "ظاهرة اقتصادية نفسية، فهي تشبه مرضاً ذهنياً يتسم بوجود قدر من الحماسة المفرطة، ومشاركة من وسائل الإعلام، علاوة على الشعور بالندم بين أولئك الذين لم تطاولهم الفقاعة". فالفقاعات غالباً ما تكبر عبر التوسع في الائتمان، لكن وضع تعريف موضوعي لها أمر صعب. لكن حسبما تقول GMO "جي إم أو"، مجموعة إدارة صناديق أموال، فإن الفقاعة هي زيادة في سعر الأصول بأكثر من خطين قياسيين فوق الاتجاه السائد مع أخذ التضخم في الحسبان.

باستخدام ذلك المقياس، تمكنت مجموعة "جي إم أو" من تحديد وتوصيف 330 فقاعة في الفترة ما بين سنة 1720 وسنة 2010، وقد تكرر حدوثها بوتيرة أسرع في العقود الأخيرة، ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى وجود المزيد من الأسواق التي تتولى مهمة تحليلها في الوقت الراهن. لكن قد يعود ذلك أيضاً إلى انعكاس الانفجار في التدفق العالمي لرؤوس الأموال الذي أعقب انهيار نظام "بريتون وودز" لمعدلات الصرف الثابتة في مطلع السبعينيات من القرن الماضي. ولم يكن مفاجئاً تماماً أن نشهد تضخم المزيد من الفقاعات مع توجه المستثمرين بقوة في شتى أنحاء العالم بحثاً عن الغنيمة التالية.

فقاعة الدوت كوم

وقد كافح العديد من الاقتصاديين لتقبل وجود الفقاعات نظراً لصعوبة وضع ذلك ضمن فكرة الأسواق الفعالة. وإذا كانت الأصول مقومة بأكثر من سعرها بشكل واضح فلِم لا يعمد المستثمرون الأذكياء إلى الاستفادة من تلك الحالة ويقومون ببيع ما لديهم؟ ويجادل إدوارد تشانسلور من مجموعة "جي إم أو" أن المستثمرين يجدون صعوبة في استبعاد فكرة وجود فقاعة. وقد تستمر حالة الهوس بالفقاعات لفترة أطول كثيراً مما يظنه المستثمرون وفقاً لما تبين للعديد من معارضي هذه الفكرة خلال موجة انتعاش الأسهم التكنولوجية المعروفة بفقاعة الـ"دوت كوم" في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وقد تعرضوا آنذاك لأعباء دفع الثمن نتيجة لذلك. كما لا يعرف المستثمر ما إذا كانت الفقاعة ستعرف طريقها للحل عبر هبوط حاد في الأسعار أو من خلال فترة طويلة من الركود حيث تتآكل الأسعار بشكل حقيقي نتيجة التضخم (وهو ما حدث لأسعار المنازل في بريطانيا في سبعينيات القرن الماضي).

وأشار ديمتري فايانوس وبول وولي من كلية الاقتصاد في لندن إلى أن مشاكل الوساطة تسهم في خلق فقاعات، فالمستثمرون لا يشترون الأسهم مباشرة بل عن طريق مديري أموال يقومون بذلك نيابة عنهم، وهم يميلون إلى اختيار مديرين من ذوي الأداء الجيد في سنوات سابقة. ومع تلقي المديرين للأموال من زبائن جدد يقومون بشراء الأسهم المفضلة التي حققت أداءً جيداً- كما تشهد المبالغ الضخمة التي تدفقت على صناديق الأسهم التكنولوجية في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وبذلك ترتفع الأسهم المفضلة بقدر أكبر.

وتنطوي "فقاعات العقارات" على عنصر دعم تلقائي، فمعظم عمليات شراء الممتلكات تتم عبر أموال تقترض من البنوك. وعندما ترتفع الأسعار تصبح البنوك أكثر ثقة إزاء إقراض الأموال؛ وبالتالي فإن ازدياد وفرة المال تعني أنه بوسع المقترضين تحمل أسعار أعلى، وهكذا. وطبعاً عندما تصبح البنوك غير راغبة في إقراض مزيد من الأموال، فإن الأسعار قد تنهار.

آفاق مثيرة للقلق

يعتقد العديد من المعلقين أن السياسة المالية الحالية قد تشجع على خلق فقاعات؛ فمعدلات الفائدة الاسمية في كثير من دول العالم المتقدم تقارب الصفر، فضلاً عن أن البنوك المركزية تشتري السندات بتبنيها سياسات التيسير الكمي، والغاية هي خفض العوائد على الأصول الأكثر أماناً وتشجيع المستثمرين على شراء أصول أكثر مجازفة، إضافة إلى خفض تكلفة التمويل على الشركات، وتعزيز الثقة الاقتصادية من خلال عامل الثروة.

وقد تقنع معدلات الفائدة المتدنية بعض المستثمرين أيضاً بأن أصول المجازفة تستحق أعلى من قيمتها. وإذا انخفض المعدل الذي يتم من خلاله خصم التدفقات النقدية المستقبلية فإن قيمة الأصول الحالية سترتفع، في حال بقاء الأشياء الأخرى متساوية فقط. وقد اعتمدت البنوك المركزية سياستها النقدية الراهنة لأنها شعرت بقلق من أن الآفاق المستقبلية للنمو الاقتصادي تتدهور، فإن كانت تلك البنوك محقة، عندئذ يتعين على المستثمرين خفض تقديراتهم حيال التدفقات النقدية التي سيتلقونها سواء كانت في شكل توزيعات أرباح أو إيجارات أو غيرها من الإيرادات المنتظرة.

ذلك قد يترك الأسواق عرضة لخطرين هما: الأول، ألا يرتفع دخل الأصول بالسرعة التي يأملها المستثمرون. أما الخطر الثاني، أن تنخفض القيم الرأسمالية بصورة حادة إذا تغيرت السياسة النقدية. ويقر بنك إنكلترا المركزي، في أحدث تقرير له حول الاستقرار المالي، بأن السياسة النقدية كانت لها تأثيراتها الواسعة النطاق. ويقول التقرير إن "التدفقات الرأسمالية الضخمة إلى الاقتصادات الناشئة مكنت مستويات الائتمان في تلك الدول من الارتفاع على نحو حاد". وكانت الأسواق الناشئة اهتزت في الصيف الماضي عندما أعلن مجلس الاحتياط الفدرالي عزمه خفض التحفيز النقدي.

الإثارة والحماس

بالنظر إلى خمس سنوات خلت، فإن تلك الأسواق استعادت التعافي بعد هبوط شديد في عام 2008 ومطلع 2009. لم تكن عوائد المستثمرين كبيرة خلال السنوات الـ15 الأخيرة، لكن هناك عددا من الأسواق يبدو وكأنه يقيم بأكثر من قيمته على أساس تاريخي. فالأوراق المالية الأميركية يتم تداولها بمعدل المكاسب/ السعر يبلغ 25، وفقاً للاقتصادي شيللر. وهذا أعلى كثيراً من المعدل التاريخي البالغ 16.5، بيد أنه أقل من المستويات التي وصل إليها المعدل في فترات الذروة الكبرى المسجلة في عامي 1929 و2000. وبلغت أرباح الشركات أيضاً أعلى مستوى لها بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي منذ الحرب العالمية الثانية، مما يشير الى عدم احتمال تحقيق مزيد من النمو.

ويبدو الاقتصادي شيللر غير مستعد بعد للإعلان عن حدوث فقاعة في الأسهم الأميركية. ولا يوجد القدر نفسه من الإثارة والحماس بشأن الأسهم على غرار ما حدث في أواخر تسعينيات القرن الماضي، باستثناء أن صافي التدفقات لصناديق الاستثمار المشترك تحول إلى الجانب الموجب في هذا العام فقط. ويتمثل المقياس الآخر الذي يعكس لامبالاة الناس حيال ما يحدث في الأسواق في أن شبكة "سي إن بي سي" المتخصصة في رصد حركة أسواق المال، سجلت في الربع الثالث من العام الجاري أدنى تصنيف لها منذ عام 2005.

يضع البعض "السندات الحكومية" في فئة المنتجات المالية التي تشهد حالة الفقاعة السعرية، وقد بلغت عوائد تلك السندات في بعض الأسواق أدنى مستوياتها المدونة في العام الماضي. في الماضي كان شراء السندات عندما تسجل عوائدها أقل من 2 في المئة يفضي إلى خسائر فادحة. ومن جديد، على أي حال، لا تبدو أسواق الديون متضخمة وفق أي مقياس من المقاييس. يوجد هناك أحاديث قليلة عن أرباح ضخمة يمكن أن تحققها السندات السيادية. كانت البنوك المركزية أكبر المشترين في الفترة السابقة وقد تنشأ مشكلة عندما تسعى تلك البنوك إلى تخفيف وتيرة مشترياتها، لكن تلك اللحظة لا تبدو وشيكة في الوقت الراهن.

المقتنيات الفاخرة

من جانبها تبين مؤشرات مجلة "الإيكونوميست" بشأن أسعار المنازل أن العقارات في نيوزيلندا وكندا وأستراليا تقيم بأكثر من قيمتها بصورة مرتفعة (وترى مجموعة "جي إم أو" مؤشرات واضحة إلى وجود فقاعات في أسعار المنازل في بريطانيا والسويد). لكن هونغ كونغ هي السوق الوحيدة ذات القيم المغالى فيها حيث لاتزال الأسعار في ارتفاع مستمر؛ بحوالي 20 في المئة عن مستويات السنة الماضية.

ارتفع سوق الأسهم اليابانية بنسبة 51 في المئة حتى الآن هذه السنة (في ضوء التقويم بالعملة المحلية الين)، لكن ذلك يشكل مستوى أقل قليلاً من التعافي بعد حوالي ربع قرن من الأداء المحبط. كما ارتفعت أسعار الأسهم في فنزويلا بأكثر من خمسة أمثال هذا العام (أو ما يعادل 273 في المئة إذا قومت بالدولار الأميركي)، لكن تلك ليست سوقاً يهتم بها العديد من المستثمرين الدوليين.

وعندما يتعلق الأمر بالميول نحو المقتنيات مثل الفن والنبيذ قد تعكس الأسعار المرتفعة ببساطة التباين الذي يتسم به العالم المتقدم، فعبر التاريخ يحب الأثرياء إبراز مكانتهم من خلال اقتناء واستعراض السلع والمقتنيات الفاخرة التي لا يستطيع من هم في طبقات أخرى تحمل أعبائها.

وفي سياق الأصول، يستحسن لمن يشتري منتجات مالية واهنة ومن دون قيمة جوهرية أن يتذكر القول المأثور: "ارتفاع مثل صاروخ وهبوط كالعصا".