عندما أراد الرئيس الأميركي باراك أوباما عام 2007 أن يصنع التغيير لمصلحة حملته الانتخابية، ويسوق لخططه للرعاية الصحية ومواجهة فساد رجال الأعمال في "وول ستريت" والبطالة وخلق فرص العمل اختار "كامباس" الجامعات الأميركية ليطرح أفكاره على الشباب، وكذلك مقاصف المصانع التي يستريح فيها العمال لمناقشتهم في شؤونهم، واختار كذلك صوامع تجميع الحبوب في الريف الأميركي لمناقشة الفلاحين وتلمس حاجياتهم، بينما عندنا نختار مجمعاً تجارياً "الأفنيوز" لبحث موضوع توزيع مكافآت مالية ضخمة على موظفين عند نهاية خدمتهم دون مبرر عادل، ومساواة رواتب من يعمل في موقع ميداني مؤثر في إنتاج الدولة وخدماتها ومن يمارس وظيفته في مكتب مكيف أو من منزله!

Ad

بلاشك الاختيار بين "كامباس" الجامعي و"الأفنيوز"، وما يعنيه من ثقافة الاستهلاك والتباهي بالماديات، يعكس حال المجتمع وطبيعة توجهاته، والتي ترتكز على الصرف من المال العام الذي يريد كل طرف أن يستحوذ عليه بأسهل الطرق، وهو ما تعنيه فكرة الاستبيان في مجمع تجاري، وهي فكرة ضحلة تعبر عن استخفاف في التعامل مع واقع البلد ومشاكله وأزماته، فمن منا لا يعلم ما هي طبيعة مشاكل دولة الكويت التي تناهز مساحتها 17 ألف كيلومتر مربع فقط، ويبلغ تعداد مواطنيها مليوناً و300 ألف نسمة لا غير، فهي بالتأكيد معروفة، وهناك عشرات الاستبيانات والدراسات الاستقصائية موجودة منذ سنوات طويلة في إدارة الأبحاث والدراسات بمجلس الأمة وجامعة الكويت وأمانة مجلس الوزراء وجهاز التخطيط... إلخ.

ما تريده الكويت بسيط ويمكن إنجازه في 3 جلسات برلمانية، وهو ما سيحدث نقلة نوعية لو أنجز، ويمكن حصره في إنجاز قانون مناقصات عامة جديد ومحكم لوقف حروب المتنفذين على مشاريع الدولة، ما يؤدي إلى تعطيلها وإنجازها بشكل سيئ، وتطوير قانون الإيجارات ووضع آلية لتقييم العقارات وإيجاراتها، لوقف مذبحة أسعار إيجارات السكن تجاه الأسر الكويتية، والتطبيق الحازم لمنع الإيجار في السكن الخاص، وكذلك إنجاز قانون الضريبة العقارية على أرباح بيع العقارات وبصفة خاصة السكن الخاص لوقف الغلاء الفاحش في أسعارها، أما الحكومة فمطلوب منها فقط أن تعلن تواريخ محددة لإنجاز 5 مشاريع كبرى تتعلق بالخدمات والنقل والرعاية السكنية، والتزامها كذلك بخطة لإعادة الحزم والانضباط القانوني إلى الشارع والوظيفة العامة، والتنفيذ الصحيح والكامل لقانوني كشف الذمة المالية ومحاربة الفساد المعطلين، وهما القانونان الكفيلان بالتصدي للفساد والمال السياسي المخرب.

هذا ببساطة ما تحتاجه الكويت بدون تضييع جهد ومال في استبيانات ودراسات تعج خزائن الدولة ومؤسساتها بعشرات مثلها، أما موضوع مكافأة نهاية الخدمة فهي بدعة يجب أن تتوقف، لأنها بلا مرجعية عادلة، فبأي حق تصرف لموظفين تسببوا في شبه إفلاس لمؤسستهم ملايين الدنانير، وأيضاً ولمنتسبي جهة حكومية معينة دون أخرى؟ تلك الأموال التي ضخت لفئة محظوظة من الشعب دون غيرها زادت التضخم وأسعار السلع المعمرة والعقارات، ومعظم بقية تلك الأموال الضخمة تسرب إلى خارج الدولة بسبب انسداد قنوات الاستثمار في البلد، ووضع بورصة الكويت المزري، أما مطالبات زيادة الرواتب المستمرة فلن يتم مواجهتها إلا بعمل حكومي جاد لمراقبة الأسواق والحد من الاحتكار والتلاعب بالأسعار، خاصة في ما يتعلق بالسلع الأساسية وتكاليف السكن.