حكاية ضم الأغوار الغربية لنهر الأردن، التي لجأت إليها مجموعة متطرفة في "الكنيست" الإسرائيلي، وبتوجيه من بنيامين نتنياهو نفسه، هي كالعادة مناورة مكشوفة لاعتراض من المتوقع أن يأتي به وزير الخارجية الأميركي جون كيري في زيارته القريبة المقبلة، وهي الزيارة العاشرة له لهذه المنطقة منذ استئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، التي كانت استؤنفت قبل نحو خمسة أشهر، والتي بقيت تجري وراء ستار من السرية الكاملة بناء على طلب الولايات المتحدة، وحيث من المستبعد أن هناك من يعرف أي تفاصيل حقيقية بهذا الخصوص غير الإسرائيليين والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) وبعض معاونيه وعدد محدد من رموز القيادة الأردنية العليا.

Ad

وبداية فإنه لا ضرورة للمخاوف التي يبديها البعض تجاه إمكانية انخراط الفلسطينيين في مفاوضات جانبية سرية مع الإسرائيليين، قد تمسّ المصالح الأردنية، فهذا "تطيُّر" مفتعل يستند إلى واقع قديم جداً، إثارته في هذه المرحلة تسيء إلى العلاقات الأردنية - الفلسطينية، التي لم تكن في أي يوم كما هي عليه الآن من الثقة المتبادلة والتنسيق المتكامل والتشاور المستمر في كل صغيرة وكبيرة، وحقيقة إن افتعال مثل هذه المشكلة، التي لا أساس لها إطلاقاً من الصحة، ربما يكون بنوايا طيبة، لكنه يدل على نقص المعلومات، وعلى أن هناك، حبّاً في الظهور وإعلان الوجود على خريطة العمل السياسي، من لجأ إلى مخزون قديم لا تجوز العودة إليه، لأن الأحداث تجاوزته، ولأن المرحلة الراهنة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ودور الأردن فيها تختلف جذرياً عن كل المراحل السابقة.

وهنا فإنه من المفترض أن هؤلاء، الذين عادوا للخياطة بالمسلة القديمة البالية، وغير معروف تحديداً لماذا، الأشقاء الفلسطينيين يبدون حرصاً يبدد كل شكوك المشككين على دور الأردن الفاعل والمؤثر والرئيسي في المفاوضات الحالية التي استؤنفت قبل خمسة أشهر، والتي جرى معظمها في عمان وبمشاركة أردنية فاعلة يريدها الأميركيون، بل ويصرون عليها، ولا يعارضها الإسرائيليون وربما هم معها أيضاً.

إن هذه مسألة أما المسألة الأخرى فهي، ومرة ثانية، أن بنيامين نتنياهو أراد ابتزاز جون كيري، واعتراض الجديد الذي من المنتظر أن يأتي به بهذه المناورة الرديئة المكشوفة السالفة الذكر، بهدف تحقيق الطلب الإسرائيلي، الذي رفضه الفلسطينيون جملة وتفصيلاً، والذي لا يمكن أن يقبلوا به حتى وإن ذهبت هذه المفاوضات إلى الجحيم، وهو وضع الأغوار الفلسطينية، الممتدة من مشارف عين جدي على البحر الميت جنوباً حتى مشارف بيسان شمالاً، وبعمق يبدأ بمجرى نهر الأردن، ويتراوح بين خمسة عشر وعشرين كيلومتراً، مدة عشرة أعوام تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية والحجة هي الضرورات الأمنية.

ويريد الإسرائيليون، مع اعترافهم وتأكيدهم أن هذه المنطقة ستكون تحت السيادة الفلسطينية الكاملة، استغلال الأراضي المشمولة بهذا المَطْلب مائياً وزراعياً، وبالطبع فإن هذا يرفضه (أبو مازن)، ولن يقبل به ومهما حصل، وكبديل فإنه يبدي استعداداً للقبول إما بقوات أميركية أو قوات أطلسية أو قوات تابعة للأمم المتحدة على طول مجرى نهر الأردن على الحدود الأردنية - الفلسطينية، وبمشاركة إسرائيلية رمزية في هذه القوات لفترة محدودة يتم الاتفاق بشأنها.

إن هذا هو واقع الحال، وإن المفترض أن يعود كيري إلى المنطقة قريباً، بعد عطلة رأس السنة الميلادية مباشرة، بجديد يضع حداً لكل هذه المناورات الإسرائيلية... وهنا فإنه على الإسرائيليين أن يدركوا أن قرارات "الكنيست" لا تفرض الحلول التي يريدونها، وعليهم إذا أرادوا فعلاً نهاية مقبولة لهذا الصراع أن يكفوا عن هذه الألاعيب التي لم تعد تنطلي على أحد، فأميركا اليوم هي غير أميركا الأمس، والعالم تغيَّر كثيراً، ثم إنه لا يمكن إطلاقاً أن يتنازل الفلسطينيون عن أكثر مما يعتبرونه الحد الأدنى الذي من غير الممكن التنازل أكثر منه.