فقاعة الاتفاقية الأمنية... إلى أين؟!
تعودنا في الكويت أن نقفز بين الاستحقاقات والملفات المهمة والأزمات الكبيرة دون أن نحلها أو ننجز تصوراً للتعامل معها، بخلاف ما تفعله الأمم الديمقراطية المؤسساتية الحقة، ويرجع البعض سلوكنا "النجازي" هذا للعبثية السياسية والمناورات بين الفرقاء والمتنافسين على الساحة السياسية، بهدف الإلهاء عن قضايا أخرى مهمة، وتسجيل النقاط على الآخر، ولذلك نفاجأ في الكويت بملف يفتح ويحتل الصدارة في وسائل الإعلام والمنابر والشاشات، ويشغل الرأي العام، ثم يتلاشى ويختفي دون أن نعلم ما القرار أو الفعل الذي اتخذ بشأنه.فمنذ فترة وجيزة كانت هناك قضايا مهمة ومستحقة تشغل الساحة، أهمها ملف برنامج عمل الحكومة المجددة الذي طوي دون أن تقدم الحكومة شيئاً محدثاً لخطتها وبرنامج عملها، ثم فجرت الحكومة ملف تضخم الميزانية واحتمالات الإفلاس خلال السنوات القليلة المقبلة، ليعقب ذلك مباشرة إقرار الحكومة ميزانية ضخمة تناهز واحداً وعشرين مليار دينار، وتحيلها إلى مجلس الأمة دون أن نعلم ما هو الإجراء الذي اتخذ لتلافي ذلك الخطر الوجودي المرتبط برزق البلد وأهله لو حل العجز على موازنتنا العامة، ليفتح ملف إضراب النفط الذي أجلت تداعياته إلى مارس المقبل، وملف وزارة الأشغال العامة ومشاريعها وحصى الشوارع الذي طوي في دهاليز لجان التحقيق، وهكذا دواليك من ملف إلى ملف دون حسم لأي منها بينما الأمم المؤسساتية تحسم قضاياها دون تسويف أو إهمال، فها هي الولايات المتحدة تفتح ملف سقف الدين العام فتتكون على أثره خلايا العمل في الكونغرس والبيت الأبيض لتتخذ قراراً حاسماً بشأنه، وفي بريطانيا تتفجر قضية المقاتلين البريطانيين في سورية فيصدر مجلس العموم تعديلات فورية على قوانين الجنسية والهجرة.
ولكن عندنا فجأة ودون مقدمات تفتح لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأمة ملف الاتفاقية الأمنية الخليجية القديمة – الجديدة بدون حاجة ملحة لذلك، خاصة أن موضوع هذه الاتفاقية موجود في البرلمان الكويتي منذ عام 1994، وكذلك اتفاقية مكافحة الإرهاب الخليجية الموجودة في اللجان البرلمانية منذ عام 2004، ولم يبت فيها أيضاً، وهناك عدم رغبة في البت فيهما لاعتبارات متعددة تتفهمها دول مجلس التعاون الخليجي، وتتعلق بالنظام السياسي الكويتي. وحسب علمي فإنه لا الحكومة أرسلت كتب استعجال للجنة الشؤون الخارجية البرلمانية للبت في الاتفاقية الأمنية، ولا الدول الخليجية طالبت وألحت على الكويت بهذا الشأن، لاسيما أننا نعلم أن هناك تنسيقاً أمنياً كويتياً - خليجياً كبيراً بدون تلك الاتفاقية.ما يحدث بشأن الاتفاقية الأمنية هو تضييع لوقت ثمين يحتاجه البلد في قضايا أهم، بدلاً من أن تستغله أطراف لإعادة تواجدها على الساحة السياسية، وبصفة خاصة تنظيمات سياسية غائبة منذ زمن عن الساحة الشعبية، والمفارقة المستفزة أن القوى السياسية الأصولية تقع في تناقضات رهيبة تجاه تلك الاتفاقية، فنفس تلك القوى التي كانت تطالب بالكونفدرالية الخليجية الفورية تعارض اليوم الاتفاقية الأمنية الخليجية!وعلى أرض الواقع فإن الحكومة لديها أغلبية مضمونة في مجلس الأمة الحالي، لو قررت وأرادت تمرير الاتفاقية الأمنية الخليجية فإنها ستفعل ذلك بكل سهولة، ولكن سيكون لذلك أثر مدمر وغير قابل للإصلاح على حلفائها في المجلس، ولذلك فإن المرجح أن يموت هذا الملف بعد عطلة الأعياد الوطنية، ويرجع إلى أدراج لجنة الشؤون الخارجية – وهو ما كان يجب أن يبقى عليه الوضع - لنقفز إلى قضية أخرى على الأرجح ستكون زيادة علاوة الأولاد وبدل الإيجار، وهكذا سيظل البلد يقفز من ملف إلى ملف دون إنجاز لتبقى القضايا الرئيسية المتعلقة بخطط وبرامج التنمية والإصلاح المالي والسياسي معلقة وتراوح مكانها.