ولد الشاعر والفيلسوف محمد إقبال في العام 1877 في ولاية البنجاب لعائلة مسلمة، وقد غلبت على أهل بيته سمة التصوف. نال شهادة الليسانس في الفلسفة، وبدأ بنظم قصائده الشعرية الأولى، ثم سافر في العام 1905 إلى لندن، وتحصل على الشهادة العليا في الفلسفة وعلم الاقتصاد من جامعة كامبريدج،. بقي هناك ثلاث سنوات يلقي محاضرات في مواضيع إسلامية مما أكسبه شهرة، ثم سافر إلى ألمانيا، وتحصل من ميونخ على شهادة في الفلسفة أيضاً، وعاد إلى لندن وتحصل على شهادة في الحقوق، ثم رجع إلى الهند عام 1908. وتوفي محمد إقبال في أبريل 1938، مخلفاً دواوين عدة أهمها: «صلصلة الجرس» (بانك درا- 1924)، «جناح جبريل» (بال جبريل-1936)، «أسرار الذات» (أسرار خودي-1915)، «رموز في نفي الذات» (رموز بيخودي- 1918)، «رسالة المشرق» (بيام مشرق- 1923).

Ad

في مقدمته للكتاب يقول بو مدين بوزيد إن عوامل فكرية وحضارية عدة أثرت في تكوين محمد إقبال أبرزها: النهل من تراث العائلة الصوفية، ومن الحكمة الإسلامية التي تلونت بتراث الهند والفرس. وإطلاعه على الفلسفات الغربية في شقها النقدي للغرب المادي وأزماته. كذلك من قراءته القرآن الكريم بإعادة تأمل داخلي روحاني لا يقف عند اختلافات المفسرين اللفظية أو الكلامية، ولكنه تشبع بالجوهر.

تعد فلسفة محمد إقبال الدينية التجديدية استمراراً لجذور الاجتهاد الذي عرفته الحضارة العربية الإسلامية. فهو يعيد قراءة القرآن الكريم وفق رؤية كونية إنسانية تتلمس التجربة الصوفية الروحية التي تأثر بها من خلال جلال الدين الرومي، والبسطامي والحاتمي. كذلك يعيد استلهام الأشعرية واجتهادات فخر الدين الرازي، وابن حزم، وابن خلدون، والطوسي حين يكون الحديث عن الإيمان والعلم. ولا يجد تعارضاً حين يعود إلى برغسون وفلسفته الحيوية أو الفلسفة الراغماتية عند وليام جيمس تحديداً، وما توصل إليه علم النفس الحديث. كذلك تبينت مقدرته في متابعة الرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية.

يسعى محمد إقبال إلى وضع المعرفة الدينية في صورة علمية من خلال إعادة قراءة القرآن الكريم وفقاً لمنهجه العملي، وبالعودة إلى التصوف كرياضة روحية، المنهج الذي عليه أن يستلهم نتاج العقل الحديث باعتماد الرؤية النفسية بدل الاقتصار على التحليل الفيزيولوجي والمادي. وقد جسد إقبال هذا المسعى في مجموعة محاضرات حاول أن يعيد من خلالها بناء الفلسفة الدينية الإسلامية.

هلال القوة

في قصائده الأولى، يقرع محمد إقبال أجراس عودة قوافل المجد الأولى، وبعث الأمة في «ديوان صلصلة الجرس»، وأمير هذا الركب المنتظر المعلوم النبي محمد. هنا يتذكر محمد إقبال في «نشيده الإسلامي» الذي حفظه الأطفال والشباب والكهول، الأندلس، ودجلة وأرض الحرمين، إنها الجغرافيا الإسلامية التي انتصر فيها «الهلال – الخنجر» وكان النداء بالأذان الذي هو دعوة إلى المحبة والانتصار، هو جرس لفظي يحمل روح العودة الدائمة إلى الله، المطلق الخلود، في هذه الأنشودة يصير الدين الوطن.

عشق الحياة

لا حياة للذات إلا بغاية المقصد، فالعين خلقت من أجل الرؤيا «المقصد»، والعقل وليد الأمل:

للحياة العلم والفن خدم

للحياة العلم والفن حشم

جاهلاً سر الحياة اجتهد

وامض ثوان بخمر المقصد

هنا عشق الحياة، وفي ذلك ينصحنا في قصائده بالعودة إلى جلال الدين الرومي الذي كان تعبيراً عن الشوق الإلهي، وهنا يذكرنا إقبال أننا عراة مثل بنت حاتم الطائي التي غطاها النبي محمد حين رآها في مجموع الأسرى، فرداء النبي هو رمزية إخفاء عوراتنا من التكالب على الدنيا ونسيان سطوتنا ومجدنا وضياع مقدساتنا، هنا يلبس الحاتمية الغطاء لستر العري، وفي فتح مكة يعلمنا النبي قوة النفس حين تعفو «لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء».

وهذه مقتطفات من أشعار محمد إقبال. أبيات من قصيدة «النشيد الإسلامي» من ديوان «صلصلة الجرس»:

علم الإسلام على الأيام

شعار النصر لملتنا

بهلال النصر يضيء لنا

ويمثل خنجر سطوتنا

وأذان المسلم كان له

في الغرب صدى من همتنا

قولوا لسماء الكون لقد

طاولنا النجم برفعتنا

يا دهر لقد جربت على

نيران الشدة عزمتنا

طوفان الباطل لم يغرق

في الخوف سفينة عزتنا

يا ظل حدائق أندلسٍ

أنسيت مغاني عشرتنا

وعلى أغصانك أوكار

عمرت بطلائع نشأتنا

وهذه أبيات من قصيدة «أسرار إثبات الذات» من ديوان «الأسرار والرموز»:

إنما يُبقي الحياة المقصد

جرشٌ في ركبها ما تقصد

سر عيش في طلاب مضمر

أصله في أمل مستتر

أحي في قلبك هذا الأملا

لا يحل طينك قبراً مهملاً

يخفق القلب بين الصدور

هو في صدرك مرآة تنير

يهب الترب جناحاً يصعد

ولموسى العقل خضراً يرشد

إنما يحيا الفؤاد الآمل

وإذا حيَّ يموت الباطل

فإذا عيّ بتخليق المنى

هيض سقطاه

وأودى وهنا

ومن ديوان «جناح جبريل» هذه الأبيات من قصيدة بعنوان «الفراشة واليراع»:

قال الفراش لنفسه لما رأى

رقص اليراع على المداد الأسود:

كم في حياتك من غبي أحمق

ما ذاق تصليةً بنار الموقد

سمع اليراع كلامه فأجابه:

حاشا لأمثالي بمثلك تقتدي

حمداً لربي ما خُلقت فراشة

بجناحها وسم العبيد الرُّقد

أنا لست أستجدي سواي تساؤلاً

أنا في فؤادي جذوتي وتوقدي