إنقاذ ما يمكن إنقاذه!
رغم تبدل الحكومة ورموزها ورغم التغيير الجذري في السلطة البرلمانية لا تزال أمهات المشاكل قائمة، بل حتى طريقة التصدي لها هي ذاتها أيام عز المعارضة! ولم يبق سوى نزول المعارضين الجدد إلى ساحة الإرادة لتكتمل الصورة تماماً!
استجواب جديد سوف يقدم لوزير الأشغال العامة ووزير الكهرباء والماء بعد مرور أيام قليلة على تشكيل الحكومة التي خرجت إلى الوجود إثر أزمة الاستجوابات التي شهدها الربع الأخير من العام الماضي، وتنحصر محاور هذا الاستجواب في تدهور خدمات الوزارة وسوء التنفيذ بالنسبة إلى المشاريع، وهدر المال العام، والتجاوزات الإدارية والفنية ومحاربة الكفاءات، وعدم الرد على الأسئلة البرلمانية.وقبل ذلك تم الإعلان عن تشكيل تيار سياسي بدعوة من النائب علي الراشد ليضم الأطياف والمكونات الكويتية المختلفة، ولعل الهدف الأساسي المعلن لهذا التيار الجديد هو إزاحة رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك لأنه "فاشل" في إدارة شؤون البلد.
وعلى جانب آخر أقر مجلس الأمة رفع القرض الإسكاني بمقدار 30 ألف دينار على شكل دعم المواد الإنشائية، ويترقب المجلس مجموعة أخرى من القوانين ذات الكلفة المالية مثل زيادة العلاوة الاجتماعية وعلاوة الأولاد مع تحفظ وتهديد حكومي لانطلاق المشاريع "الشعبوية" وذات الدغدغة الانتخابية! هذه بعض صور العلاقة بين الحكومة والمجلس يتجدد معها الدوران في حلقة مفرغة بينما يستمر مسلسل التجاوزات المالية التي يفجرها بين فترة أخرى ديوان المحاسبة أو رئيس لجنة الميزانيات البرلمانية أو الصحافة الكويتية، ومن أمثلة ذلك فضيحة الجمارك والقطاع النفطي والشركات الوهمية في وزارة التجارة والتأشيرات المزورة في وزارة الداخلية، و"الحبل على الجرار"، وكالعادة دونما محاسبة أو إدانة أو عقاب لأي أحد، مع تباشير البراءة للمتهمين في قضية اللحوم الفاسدة!تجدر الإشارة إلى أن الخريطة السياسية القائمة تُرسم خطوطها العامة والكثير من تفاصيلها في ظل غياب المعارضة السابقة أو "التقليدية" عن الساحة، وبمعنى آخر رغم تبدل الحكومة ورموزها ورغم التغيير الجذري في السلطة البرلمانية لا تزال أمهات المشاكل قائمة، بل حتى طريقة التصدي لها هي ذاتها أيام عز المعارضة! ولم يبق سوى نزول المعارضين الجدد إلى ساحة الإرادة لتكتمل الصورة تماماً!هذا السرد والتسلسل الدراماتيكي ليس للتصيد على من يحاولون مواجهة الحكومة و"خمالها" بعد أن كانوا مقاتلين شرسين في الدفاع عنها حتى الرمق الأخير، وهذه الشواهد ليست للاستدلال على مواقف المعارضة والتبرير لها، أو حتى التذكير بالمقولة الشهيرة "أُكلت يوم أُكل الثور الأسود"!ولكنها دعوة صادقة للاستفسار عن مواقع الخلل وأسبابها وأسرارها ودواعي استمرارها رغم كل هذه التغييرات السياسية في الشخصيات والرموز والتيارات، وبقاء الثقافة السياسية العامة في حيرة من أمرها تشدها الاستقطابات والاصطفافات بعيداً عن لب المشكلات المزمنة، فهل يتورع خصوم الأمس واليوم لتشخيص الداء بعيداً عن التراشق والعداء ولتفتح صفحة جديدة من العمل السياسي الجاد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟!