المفترض أن جميع العرب يتمنون أن ينجح المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي في مهمته التي لكثرة تعقيداتها، ولأن سورية بحكم عوامل كثيرة، من بينها رعونة هذا النظام، قد تحولت إلى ساحة صراع دولي وإقليمي، باتت بعد كل هذه المدة أصعب من خرط القتاد، فنجاحه الصعب وشبه المستحيل يقصر معاناة دولة عربية عزيزة ويضع حداً لاستنزاف شعب نزف وعانى أكثر من اللزوم، ثم إنه من الصعب تقبُّل أن يفشل هذا الرجل الطيب المعروف بكفاءته وبتاريخه القومي والوطني الناصع في مهمة كهذه المهمة التي قد يختم بها تاريخه الدبلوماسي الطويل.
وبالتأكيد فإن الأخضر الإبراهيمي يعرف تمام المعرفة قبل قبوله هذه المهمة التي تكسرت على طريقها الطويل أنصال كثيرة أنه ذاهب إلى مهمة معقدة وخطيرة وأنه من الصعب تحقيق أي نجاح في ضوء امتداد عشرات وربما مئات الأيدي إلى "القصعة" السورية، فهناك لاعبون كثر، محليون وإقليميون ودوليون، لكل منهم تطلعاته وحساباته وهناك نظام لم يصدّق حتى الآن، ورغم حصول كل ما حصل، أن مشواره قد انتهى، وأن عليه أن يغادر ويتنحى إن بخاطره وإن بالقوة.حتى الآن لا يزال هذا النظام يعتقد أن بإمكانه الاستمرار لأربعين سنة أخرى وأن من حقه أن يترشح لولاية جديدة عندما تنتهي ولايته الحالية في يوليو المقبل، وأنه، مادام معه الروس وإيران وكل هذه الشراذم الطائفية القادمة إلى ساحة الصراع في سورية من كل حدب وصوب، قادر على تحقيق شعار "الأسد إلى الأبد" وأن بإمكانه أن ينقل ما يعتبره أمانة قومية إلى ولده، كما نقلها أبوه إليه بعد تحطيم كل الحواجز التي كانت ترفض مبدأ "التوريث" في دولة جمهورية وفي بلد بقيت أنظمته المتلاحقة، التي كلها أنظمة انقلابات عسكرية، بدوافع طائفية تحارب الأنظمة الملكية.ولذلك كان على الأخضر الإبراهيمي، قبل أن يذهب إلى طهران ويتحدث عن ضرورة حضور إيران "جنيف2" والمشاركة فيه، وقبل أن يذهب إلى دمشق التي قالت فيه أكثر مما قاله مالك في الخمر، ويعلن من هناك أن بشار الأسد سيشارك في العملية الانتقالية، أن يلزم الإيرانيين بأن عليهم قبل حضور هذا المؤتمر أن يسحبوا قواتهم وميليشياتهم الطائفية من سورية، وأن يلتزموا نقاط "جنيف1" الست كلها، وخاصة النقطة التي تؤكد ضرورة رحيل بشار الأسد وخروجه من اللعبة السياسية ليفسح المجال للشعب السوري أن يقرر مصيره بنفسه، ويختار النظام الذي قدم من أجله كل هذه القوافل من الشهداء والجرحى والمشردين في أربع رياح الأرض.وأيضا كان على الإبراهيمي ألا يطلق من دمشق هذا التصريح الحمال للكثير من الأوجه، الذي قال فيه، وبدون أن يستشير أحداً، إن الأسد سيشارك في المرحلة الانتقالية، فهو يعرف أن هذه القضية هي أم القضايا وأنه من غير الممكن قبول المعارضة السورية بكل مللها ونحلها ولا الأطراف المعنية العربية وغير العربية أن يلعب هذا الرئيس السوري دور الخصم والحكم في الوقت ذاته، فهذا يعني أن هذه الحرب المدمرة ستستمر سنوات طويلة، وهذا يعني أن التقسيم سيصبح بمنزلة تحصيل الحاصل، وهذا يعني أن سورية ستتمزق شر ممزق، وأن عودتها إلى ما كانت عليه ستستغرق، ليس سنوات بل دهوراً طويلة.إن الأخضر، وهو في هذه المهمة، لا يمثل نفسه بل يمثل الجامعة العربية والأمم المتحدة، وهذا يعني أنه ليس من حقه اعتبار حضور إيران "جنيف 2" والمشاركة فيه واجباً ومسألة ضرورية قبل الرجوع إلى الذين كلفوه بهذه المهمة، وكان على المبعوث العربي والدولي، قبل الحديث عن مساهمة بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، أن يعد ليس إلى العشرة بل إلى الألف، وأن يكون حذراً، إذ إن مثل هذه "المساهمة" قد تفهم، وهي كذلك، على أن الرئيس السوري حتى وإن غادر مواقع المسؤولية شكلياً فإنه سيبقى على اعتبار أن النظام الجديد هو نظامه، صاحب القرار الفعلي، وأنه سيتحول إلى ولي فقيه آخر له نفس دور علي خامنئي في إيران!
أخر كلام
ليت الإبراهيمي لم يفعلها!
30-10-2013