الكويت قد تكون أكبر مدينة للخردة والحديد المسماة بالسيارات، فبنظرة سريعة إلى شوارعها وطرقها السريعة وأزقتها ومدنها وضواحيها، نجدها محاصرة وتكاد تختنق بسيول من كتل الخردة والحديد، أي السيارات المنصبة من كل حدب وصوب حتى شلت حركتها وأوقفت سير شوارعها بحبال حديدية طوقتها حتى اختنقت المدن وضواحيها بكتل الخردة التي تبتلع المدينة ومن فيها، وأينما يوجه المرء بصره لن يرى إلا كتل الخردة المتدفقة من كل حدب وصوب، سيول من السيارات المشكوكة والملضومة بعضها ببعض، الحاجبة والملتهمة لكل ما حولها من معالم المدينة والطريق، حتى باتت مدينة الكويت ليست إلا كراجا كونيا لاحتواء خردة إنتاج حديد سيارات العالم كله، وباتت قيادة السيارة أكبر معاناة لحياة الناس فيها، فلكي يصل قائدها إلى عمله أو منزله يحتاج إلى معجزة تنقذه من شلل الطرق والشوارع، وان يتحلى بأخلاق الملائكة وصبر أيوب، وأن يمتلك قدرات بهلوان تمكنه من اختراق وشق الصفوف الملتصقة والمتراصة، والتي يحاول كل سائق أن يجد له منفذا حتى وإن كان بحجم خرم إبرة فلن يتردد في اختراقه وحشر جسد سيارته فيه، ولن يكترث بالنتيجة مهما كانت، فأعصاب السائقين لم تعد تحتمل برودة الأدب ودبلوماسية الأخلاق خاصة في لهيب حرارة الصيف والرطوبة الخانقة۔
فما الذي يجعل شوارع وطرق دولة صغيرة مثل الكويت تعاني كل هذه الاختناقات المرورية الرهيبة التي ليس لها مثيل في كل دول العالم حتى تلك المنتجة منها للسيارات؟فالكويت تمتلك شبكة طرق سريعة حديثة وعلى أعلى المستويات العالمية تُجدد صيانتها الدورية على مدار العام، وتخصص لها الملايين من ميزانية الدولة للإنفاق عليها، ما يجعلها من أفضل طرق السيارات في العالم وهو المفروض، ولكن ما ينتج هو عكس ذلك، فما هو السبب أو السر الذي يكمن وراء هذا اللغز الذي أخر الكويت وأعجزها عن مجاراة دول الخليج التي سارعت في تسهيل مشروع النقل بالمترو، ما عدا الكويت التي مازالت تتردد وتتلكأ في دراسة مشروع كان يجب أن تكون هي أول من استخدمه، وليس الآن بل من ستينيات القرن الماضي، حيث كانت الكويت هي الرائدة في المشاريع والسباقة لها قبل دول الخليج؟حل اللغز يكمن في التركيبة التجارية في الكويت، فالتجارة هي عصب المدينة وروح تجارها، الذين يهرولون وراء الكسب بكل أشكاله وبكل الطرق التي تجعله يصب ويدر في جيوبهم الخاصة، وليس للمصلحة العامة أي نصيب فيه، لذا يجب أن يُلغى أو يؤجل ويؤخر أي مشروع أو أي مخطط لا يصب في مصلحتهم الخاصة، ومن هذا المنظور نستطيع أن نفسر وأن نفهم لما كل شيء في الكويت لا يسير في اتجاه مصلحتها العامة وانه لن يتحقق ولن يوجد ما لم يصب مردوده في جيب أحد حيتانها الكبار!ومن هذه النقطة يُفهم ويُكشف سر اختناق المدينة وطرقها وضواحيها وناسها ومن فيها تحت رحمة كتل الخردة والحديدة الهارسة لها، فكل خلل تعود أسبابه إلى التجارة، وعلى هذا نجد باب استيراد السيارات مفتوحا على الغارب بتعريفة جمركية تكاد لا تُرى ولا تُذكر وتجارها يستوردونها بأعداد وكميات هائلة حتى تغطي نزعة الاستهلاك المروج لها بإعداد مغر ومدروس، لا يفلت من شبكته أحد وبكل أشكال التسهيلات، ما يطرح بأعداد هائلة إلى الشارع في كل وقت من أيام السنة، وهذه الأعداد من السيارات تتطلب أعدادا متزايدة من محلات قطع الغيار، وهذه بدورها تحتاج إلى كراجات الصيانة والتصليح، وهذه تحتاج إلى مهنيين وميكانيكيين للعمل فيها، وهذه السيارات تحتاج إلى توسعات في الطرق وازدياد صيانتها، وهذه بالتالي ستطرح مناقصات إنشاء وتوسيع وصيانة الطرق والجسور والأنفاق التي تتطلب آلاف العمال للعمل بها، وغالبية هؤلاء سيؤتى بهم عن طريق تجارة الإقامات المربحة.كل ما سبق ذكره هو سلسلة مترابطة ومتشابكة في المصالح التجارية وتصب كلها في جيوب تجار سيتضررون تماما من إقامة مشروع مثل المترو الذي كان من المفروض أن تكون الكويت أول من يستخدمه، ولكانت كل المشاكل المرورية حُلت من زمان وارتاح الناس فيها، فهل سيسمح تجار الحديد والخردة بذلك.
توابل
مدن الخردة والحديد
26-05-2014