في فبراير 2012 قدمت السينما المصرية فيلماً بعنوان {ركلام} دان فيه كاتبه مصطفى السبكي الفقر بوصفه {سبب الويلات والنكبات}، والدافع الوحيد، مع زوج الأم، وراء اضطرار الفتاة {شادية} (غادة عبد الرازق) إلى الزواج من تاجر مخدرات تنجب منه طفلة، وعندما يتم القبض عليه تلجأ، بتفان واجتهاد عظيمين، إلى الإيقاع بالزبائن في ملهى ليلي، بحجة التحايل على الرزق، والحصول على {لقمة العيش}!
بعد مرور ما يقل عن العام، وفي أغسطس 2013 تحديداً، يكتب مصطفى السبكي فيلماً بعنوان «البرنسيسة» يكاد يكون نسخة طبق الأصل من «ركلام» بفارق بسيط أن الفيلم الأول من إخراج علي رجب والثاني أخرجه وائل عبد القادر، في أولى تجاربه بالسينما.ففي «البرنسيسة» نحن مع «نانسي» (علا غانم) التي تبيع مناديل ورقية في إشارات المرور، لمساعدة أهلها، ويتعلق قلبها بالمحامي الذي تظنه طوق النجاة للخلاص من الفقر، والحارة البائسة التي لا تليق بطموحاتها، والشقيق الأكبر الذي يُذيقها المرارة والعذاب، لكن المحامي يغدر بها، وترضخ لشقيقها الذي يُرغمها على الزواج من «ميكانيكي» تهجره بعد أن تنجب منه طفلاً وطفلة، وعندما يحاول الشقيق إجبارها على العودة إليه تهرب من المنزل، والحارة، وطفليها، وتقع في براثن «قواد» يدفعها إلى العمل في الدعارة، وينتهي بها الأمر إلى العمل «ركلام» في ملهى ليلي! «الحدوتة» نفسها تتكرر، ولا تتغير، وكأن الكاتب يجترها، ولا يملك سواها، وربما يكون لديه الحق في أن يلعب على التيمة المستهلكة، التي استعارها من تراث السينما المصرية، لكن ما الذي أثار حماسة شركة تخوض التجربة لأول مرة لإنتاج فكرة عقيمة، ونص عفا عليه الزمن، في فيلم لا يكتفي باستثمار عالم الدعارة، والملاهي الليلية، بهدف استعراض الأجساد العارية، بشكل رخيص ومبتذل، بل ينتقل إلى عالم الاتجار بالهيروين، الذي يقترن عند كتاب السينما المصرية بتجارة السلاح، ويجهل الجميع دهاليزها وأسرارها، وتُصوّر على الشاشة بوصفها شحنة أسلحة معبأة في صناديق خشبية ضخمة يجري تبادلها على مقربة من سيارات سوداء في صحراء نائية، وتنتهي، في الغالب، بانقلاب طرف على الآخر، وتبادل عشوائي لإطلاق النار يُسفر عن تصفية جسدية، ومذبحة جماعية! المثير للدهشة أن المخرج وائل عبد القادر بدأ فيلمه بإبهار تقني، على صعيدي التصوير والإضاءة (أكرم ممدوح ) والمؤثرات الصوتية والبصرية، والتوظيف «الأميركي» للخدع والمفرقعات (فتحي صادق) والإيقاع اللاهث (مونتاج عمرو عاكف)، لكن الإبهار لم يدم أكثر من خمس دقائق انتهت باعتقال البطلة «نانسي»، بتهمة الاتجار بالسلاح والهيروين، وبعدها تراجع الخط البياني للفيلم، بسبب السيناريو الذي كُتب بشكل تقليدي للغاية؛ ولم يخرج عن توظيف «الفلاش باك»، استرجاع الماضي، ليحكي قصة «نانسي»، التي تفترش الأرض في غرفة الحجز، بعد الحكم عليها بأربعة أيام، ثم خمسة عشر يوماً، على ذمة التحقيق، ويذخر الفيلم بكم من المبالغات لا تنتهي، و{كليشيهات» تقليدية، وردات فعل غير منطقية؛ فالبطلة الساذجة التي يُغرر بها «القواد»، وكأنها معاقة ذهنياً، تنقلب، فجأة، إلى امرأة تتقد ذكاءً، تنجح في الإيقاع بصاحب الملهى (ضياء الميرغني) وتستولي على إرثه، وملهاه، وتثأر لنفسها من ابنته الوحيدة (راندا البحيري) وتُصبح «البرنسيسة»، بعد أن تُخضع كل من حولها، وتوطد علاقتها و{الباشا» (ياسر علي ماهر) رجل سلطة يستشعر خطورة تهديداتها، عقب القبض عليها، فيدبر خطة لاغتيالها، بعدما باعها الجميع بنفس راضية، وضمير مستريح! برأيي الصفعة التي تلقاها فيلم «البرنسيسة» عند عرضه في الصالات التجارية، وانصراف الجمهور عنه، بدليل تردي إيراداته، ترجع إلى اقتداء الفيلم بالنهج الميلودرامي الذي سارت عليه السينما الهندية ورسخته، وإحساس الجمهور المصري بأنه لا يجتاج إلى النسخة «التايوانية» الرديئة؛ فالمبالغات لا تنتهي، والطموح يثير الشفقة، والمؤامرات تعكس أمراضاً مزمنة لدى الشخصيات، والأغاني الشعبية هابطة وكلماتها مبتذلة، أما الأداء التمثيلي فوصل إلى درجة كبيرة من الانفعال، والافتعال، والتشنج، والعصبية، كما رأينا في سوقية علا غانم، وفجاجة ضياء الميرغني، وصنعة حسام فارس، وشحوب أداء راندا البحيري وشمس وصبري عبد المنعم في دور الأب المغلوب على أمره . فيلم «البرنسيسة» أحد الأفلام «الأخلاقية» التي تُحذر الفتيات من عاقبة الهروب من المنزل، ويُلقن من يُشاهده دروساً في أهمية المشي على الصراط المستقيم، وأن الخير لا بد من أن ينتصر في النهاية، والمجرم ينبغي أن يلقى جزاءه، ومن ثم فقد كان يُفترض من صانعيه أن يتجهوا إلى صياغته في خطبة تُلقى على «المنبر» بدلاً من أن يصدمونا بها على «الشاشة»!
توابل
فجر يوم جديد: {البرنسيسة}!
13-02-2014