من باب المصادفة!

نشر في 13-02-2014
آخر تحديث 13-02-2014 | 00:01
 مسفر الدوسري لا أظن أن الفن والأدب والإبداع بصورة عامة وسيلة المبدع للتعبير عن مشاعر الناس وأحاسيسهم، ولا أظن أن المبدع هو المتحدث الرسمي عن الناس، وليس حرّيا به أن يكون كذلك!

إن الادعاء أن المبدع هو الناطق بلسان حال الناس ادعاء كاذب وزائف، وأي مبدع يدّعي ذلك هو باعتقادي منافق، يتملّق الجمهور، ويتسول رضاهم بأرخص الطرق وأسمجها على الإطلاق.

أعرف أن هناك من قد يقذفني بالبيض الفاسد والطماطم بعد قراءته لتلك المقدمة، لا يهم!

وأعلم أن البعض قد يتهمني بأبشع التهم وأقساها، وقد يسخف قولي، ويقلل من أهميته، وقد يهمش رأيي، أيضاً لا يهم، إن كل ذلك لن يثنيني عن إنهاء ما بدأته، حتى أبين وجهة نظري المتواضعة والبسيطة، مع الاعتراف بأن يقيني فيما ذكرت ليس محصنا ضد الشك وربما ليس محصنا ضد الخطأ في مقبل الزمن، إلا أنه حتى هذه اللحظة قناعة تبدو لي راسخة!

أعتقد أن المبدع لا يعبر سوى عن ذاته وأحاسيسه، ولا يستنطق سوى مشاعره، وأعتقد أيضاً أن جمرة الإبداع لا تشتعل إلا من قَدْحِ هواه، ومن لهب روحه، وإذا ما حاول المبدع أن ينتج إبداعاً بدون ذلك، فإن المنتج لن يكون سوى مسخ لا علاقة له بالإبداع لا من قريب ولا من بعيد.

يحدث أحياناً أن يلجأ المبدع إلى حيلة قد تنجح في إلقاء أصابعه في موقد الإبداع إذا ما عزّ عليه الاعتماد على ذاته لتكون مشاعره دافعا ومحفزا للغوص في حرائق الإبداع لتصهر ذهب روحه فنا خالصاً، وهذه الحيلة تكمن بالاستعانة بمشاعر الآخرين لتكون محفزة لمشاعره أولاً ومن ثم تكون مشاعره محفزة لإبداعه، إلا أن مثل هذه الحيلة قد لا تنجح مع كل مبدع، إذ لكي تنجح مثل هذه الحيلة لا بد أن يتمتع المبدع بسمات شخصية في ذاته لا علاقة لها بالسمات الفنية والإبداعية، سمات تتعلق بشفافية المبدع الإنسانية وقدرته على التماهي مع مشاعر الآخرين حد الالتصاق بها، والتعاطف معها، وقدرته على الألم إذا ما انغرس حد آهة في قلب ليس قلبه، وقدرته على «التوهم» للدرجة التي قد يبحث فيها عن ضماد لجسده إذا ما سال دم من جسد غيره، وأن يفر راكضا ليلقي نفسه في الماء إذا ما اشتعلت النار في ثوب لا يرتديه هو، لإحساسه الشديد بحرارتها، مثل هذه الصفات ليست صفات إبداعية إنما هي سمات في الشخصية الإنسانية بغض النظر عن كون من يحسها مبدعاً أم لا، إنها سمات لا يمكن لمغرور مثلا أن يشعر بها، ولا أناني أن يحسها، فإذا كان المبدع لا يتمتع بهذه الصفات في شخصيته الإنسانية فهو قطعاً لا يمكن أن يبدع فنا أو إبداعاً يصور مشاعر الآخرين إلا إذا عانى هو فعليا ما عانوه وأحس به واقعيا وليس «توهماً».

في هذه الحيلة يستخدم المبدع مشاعر الآخرين محرضاً لمشاعره وليس لإبداعه، ومن بعد ذلك تتولى مشاعره هو الدور في تحريض إبداعه.

لذا أظن أن محرض الإبداع «المباشر» ذاتي أولاً وأخيراً، وقد يتقاطع مع مشاعر الناس الآخرين وأحاسيسهم من باب المصادفة لا أكثر.

back to top