مرافعة : صراع دستور!

نشر في 18-05-2014 | 00:01
آخر تحديث 18-05-2014 | 00:01
لست من المؤيدين لمبدأ تعديل الدستور رغم مضي أكثر من 50 عاماً على إصداره، ورغم سماح الدستور نفسه بإمكانية تعديله بعد مضي 5 سنوات من إصداره، وتحفظي عن مبدأ التعديل ينطلق من مسألتين الأولى خطورة إسناد أمر التعديل لمجالس لا تملك الخبرة الداعية لتعديل التشريعات العادية فكيف يسند إليها أمر تعديل الدستور؟ والثانية ان مبدأ التعديل سيسمح للسلطة التنفيذية بطرح العديد من الأفكار الداعية لإضعاف فكرة النظام الديمقرطي لا تطويره، في ظل وجود مجالس لا تحترم الدستور ذاته فكيف بها ستكف يد الحكومة عن التعديل؟

ورغم تبني المشرع الدستوري للنظام الديمقراطي طريقا للحكم فإن تركيبته مكونة من مزيج بين نظامين، هما الرئاسي متمثلا بفكرة «الإمارة الوراثية في ذرية مبارك»، والبرلماني، ومثل هذا المزيج أسمته المذكرة التفسيرية بأنه يهدف لوحدة الوطن واستقرار الحكم.

ويظهر شكل النظام الرئاسي في الدستور بالعديد من المواطن الهامة والمفصلية كأمر تعديل الدستور بأن ربط أمر تعديل نصوصه بجملة من الآليات لكي يرى التعديل النور، وهي موافقة الأمير مع ثلث المجلس على مبدأ التعديل، وفي حال الموافقة يتم عرض التعديل على المجلس للتصويت عليه بموافقة ثلثي أعضاء المجلس، وأخيرا تصديق الأمير على التعديل، وإذا لم تتوافر تلك الاشكال التي استلزمها الدستور من موافقة الأمير على مبدأ التعديل ونسبة التصويت والمصادقة اللاحقة من الأمير فلن يرى التعديل الدستوري النور.

وبالتالي فإن الدستور أحاط مبدأ التعديل لأي من نصوصه والحال كذلك لقانون توارث الإمارة بتوافر العديد من الآليات حرصا منه على توافر حالة التوافق بين الحاكم ممثلا بالأمير والشعب ممثلا بمجلس الأمة، إلا أن مثل هذا التوافق ينعطف أكثر للنظام الرئاسي على حساب النظام البرلماني لتمتع الحاكم بفرصتين هما الموافقة على مبدأ التعديل، والرفض اللاحق على مشروع التعديل فيما لو كتب للمجلس أمر الموافقة بالأغلبية المطلوبة.

ليس مبدأ التعديل على الدستور الذي يقرب شكل الدستور إلى النظام الرئاسي من النظام البرلماني بل إن المادة 79 من الدستور تسمح للأمير برد القوانين التي يقرها مجلس الأمة، على أن يسمح بعرضها مجددا بدور انعقاد آخر، ويشترط لإقرارها موافقة ثلثي الأعضاء.

وشكل النظام الرئاسي لا يظهر في ما يخص تعديل الدستور أو برد القوانين، بل يمتد إلى دعوة المجلس للانعقاد أو فضه، وتعيين نائب للأمير في غياب ولي العهد، وكذلك بحل مجلس الأمة وإصدار مراسيم للضرورة بغيبة المجلس، بينما لا يظهر النظام البرلماني إلا في ما يخص انتخاب أعضاء مجلس الأمة وفق الاقتراع العام والسري وكذلك بإقرار القوانين، وتلك مقرونة بعدم تفعيل الحكومة لنص المادة 79 من الدستور، فضلا عن إلزام الدستور الحكومة بعرض جملة من القضايا على المجلس كالحالة المالية للدولة ومراسيم الضرورة وحالة الأحكام العرفية والقضايا التي يشترط لإصدارها قوانين كالرسوم والضرائب والاتفاقيات.

وبالتالي فإن النظام الرئاسي ينعطف أكثر في شكل الدستور على النظام البرلماني من حيث منحه لصلاحيات أوسع وأكبر ومن شأنها أن تعطي السلطة التنفيذية المسك بزمام كل مفاصل القرار السياسي تحت دواعي الحفاظ على وحدة الوطن واستقرار الحكم بحسب ما أشارت إليه المذكرة التفسيرية للدستور، وهو ما سمح للبعض بالمناداة بتعديل الدستور لخلق حالة من التعادل بين النظامين لممارسة الصلاحيات بين السلطتين بخلاف ما أراد تحقيقه المشرع الدستوري بأن تتم معالجة حالة التعادل بين السلطتين وفق التوافق السياسي، ومثل هذا التوافق يستلزم تفاهما سياسيا افتقدته الكويت في العديد من المجالس النيابية!

ورغم تفوق فكرة النظام الرئاسي على النظام البرلماني فإن المشرع الدستوري كفل للأفراد العديد من الضمانات والحقوق والحريات، وهي ما تجعلنا جميعا متمسكين به خشية المساس بها والتي قد يسمح بها مبدأ التعديل!

back to top