الفروقات بين عمل الجهات الرقابية الأميركية ونظيرتها الكويتية، كبيرة جداً، في مجال مخالفة ومعاقبة وتغريم المخطئ من الشركات والمؤسسات المالية العاملة.

Ad

الجهات الرقابية الأميركية لا ترحم المؤسسات المالية والعقارية وجميع مكونات قطاعها الخاص، إذا ما انحرفت يميناً أو يساراً في المسار القانوني المحدد لها.

لم تكن الجملة السابقة مجرد تخمين لدور الجهات الرقابية في أكبر اقتصاد في العالم، إنما استنتاج لحقائق وأرقام حقيقية، تعبر عن غرامات "ضخمة" تم فرضها على مؤسسات مالية وشركات عقارية وغيرها، نتيجة لمخالفة هذه المؤسسات للقوانين المعمول بها، دون أن ترحم أوضاعها المتأزمة أصلاً نتيجة الأزمة المالية العالمية المشتعلة منذ أواخر 2008، أو "محاباة" لإدارة هذه المؤسسة أو غيرها.

أرقام وحقائق عن الغرامات

1- في عام 2013، فرضت الولايات المتحدة غرامات بقيمة تتجاوز 51 مليار دولار، لتشهد هذه السنة أكبر مستوى من الغرامات من هذه الناحية بين سنوات الأزمة المالية، وكانت هذه الغرامات لأسباب مختلفة تنوعت بين ممارسات المصارف في قطاع العقارات "الرهن العقاري وعمليات المصادرة" أو التلاعب بفوائد المصارف أو انتهاك قوانين الحظر وصولاً الى التورط في تبييض أموال، وكانت الضحايا، مؤسسات عريقة وعملاقة مثل مصارف: ويلز فارغو وجي بي مورغان تشيز وسيتي غروب وبنك اوف اميركا، وهذه بعض الغرامات: مصرف جي بي مورغان تشيز، 13 مليار دولار، بنك اوف اميركا، 29.6 مليار دولار، كريدي سويس، 2.6 مليار دولار، اتش اس بي سي، 1.92 مليار دولار، جي بي مورغان تشيز، 1.7 مليار دولار، او بي اس، 1.53 مليار دولار، رابوبنك، 1.05 مليار دولار.

2- استمرت هذا العام الجهات الرقابية مثل وزارة العدل الاميركية أو الاحتياطي الفدرالي أو ادارة الخدمات المالية، أو وكالات حكومية وهيئات عامة وسلطات لضبط الاسواق، بالاستمرار بمطالبة المؤسسات بغرامات إضافية جراء الأضرار التي حدثت للمتضررين، ومن هذه الغرامات:

• غرامة قياسية تراوح بين 16 و17 مليار دولار سيتكبدها بنك اوف أميركا، لتسوية نزاع قضائي يعود إلى الأزمة المالية العالمية عام 2008.

• سيتي غروب توصل هو الآخر الى اتفاق يقضي بدفعه 7 مليارات دولار لتسوية اتهامات مماثلة لتلك الموجهة ضد بنك اوف أميركا.

• بنك ستاندرد تشارترد، الإنكليزي العريق يواجه تهديدات بغرامة جديدة من الهيئة المنظمة للقطاع المصرفي في نيويورك بسبب قصور في رصد معاملات يسهل استغلالها في غسل الأموال مما يزيد من الضغوط على البنك، ووضع تحت المراقبة في 2012 بعد أن غرمته جهات تنظيمية 667 مليون دولار لخرقه العقوبات الأميركية على إيران باخفاء معاملات والتهاون في تنفيذ آلية لمكافحة غسل الأموال، أما الآن فإنه يواجه خطر دفع ما بين 100 مليون و340 مليون دولار بسبب المشكلة الأخيرة.

• اتفق المصرف الفرنسي العملاق "بي ان بي باريبا" مع السلطات الأميركية مؤخراً على دفع غرامة إجمالية قدرها 8.9 مليارات دولار بسبب انتهاك عقوبات، ويتضمن الاتفاق تعليق أنشطة فرع البنك في نيويورك بمجال تسوية معاملات معينة داخل الولايات المتحدة لمدة عام بدءاً من أول يناير 2015 مع تطبيق برنامج امتثال محدد وقيود على توظيف أفراد محددين.

• بالإضافة إلى حصة الحكومة الأميركية من أرباح شركتي التمويل العقاري "فاني ماي" و"فريدي ماك" اللتين أعلنتا انهما ستدفعان لحكومة الولايات المتحدة 5.6 مليارات دولار كحصة من أرباحهما، كشرط من شروط إنقاذهما من الانهيار بعد الأزمة المالية العالمية، ليعملا بعد ذلك تحت رقابة وكالة التمويل العقاري الاتحادية منذ سبتمبر 2008.

وبالتالي يصل إجمالي ما ستسلمه الحكومة الاميركية كتعويضات – حتى الآن – ما يقارب الـ37 مليار دولار باحتساب حصتها من أرباح "فاي ماي" و"فريدي ماك"، ما يجعلنا نقف أمام حقيقة أن الحكومة الأميركية تسلمت نحو 88 مليار دولار من غرامات وعقوبات فرضتها على شركات خلال أقل من عامين.

غياب عن الصورة

أما في الكويت، فمن الواضح أن مثل هذه المخالفات – إن تمت – فإنها تتم بأسلوب سرّي وغير معلن بل ربما تكون مسألة الإفصاح عنها، من "الكبائر"، إلا ما ندر.

فمن الحالات النادرة التي أعلن بنك الكويت المركزي فيها عن مخالفات وغرامات تم فرضها على البنوك والمؤسسات المالية الكويتية، كانت عند مناقشة عملية إسقاط فوائد القروض قبل عام ونصف تقريباً، عندما أشار إلى أن عام 2012 شهد فرض غرامات سُمّيت بـ" تصويبات البنوك وشركات الاستثمار" وبلغت 160 مليون دينار، فيما بلغ اجمالي المبالغ التي استردت من البنوك وشركات الاستثمار لصالح عملائها 44.4 مليون دينار، أي أن الإجمالي بلغ 204 ملايين دينار، دون ذكر تفاصيل هذه الغرامات والبنوك والشركات التي عوقبت بها.

أخطأ... فنسامحه!

يرى جميع المراقبين الاقتصاديين والمتابعين للأزمة المالية العالمية وتداعياتها محلياً، أن هناك العديد من مجالس إدارات شركات استثمارية وبنوك كبرى ساهمت بسوء إداراتها بخلق أزمات خانقة وكبيرة، تعاني منها هذه الشركات حتى يومنا هذا، دون رؤية من تسبب بها، يُحاسب ويُعاقب على هذه الأخطاء.

فلا من أدخل مؤسسته في "أزمة مشتقات" حوسب، ولا من حمّل شركته ديوناً قاربت المليار دينار، ورفض حتى الدخول تحت ظل قانون الاستقرار المالي، عوقب، ولا من حوّل أصول الشركة واستثماراتها الى صندوق ذهبت ملكيته كلها للدائنين، تمت مساءلته قانونياً!

وحتى الذين تم كشفهم بالتجاوزات والمخالفات وتوقيع المخالفات عليهم من "المركزي" وعزلهم من مناصبهم، تم التستر عليهم وتصوير الأمر وكأنه "استقالة" فقط لا غير، دون القيام بما يجب عليهم القيام به حمايةً لأموال الشركة ومساهميها.

دور الرقابة

يقوم دور الرقابة العامة، ممثلة في هيئة أسواق المال وبنك الكويت المركزي ووزارة التجارة والصناعة وغيرها من الجهات الرقابية، بحماية مدخرات الآخرين، فالشركات الجيدة يجب أن تعمل كما تشاء مادام أنها ملتزمة بالقوانين واللوائح المنظمة لعملها، وملتزمة كذلك بالإعلان عن كل ما يشترط عليها القانون من بيانات مالية وإجراءات إدارية وغيرها، أما الشركات غير الجيدة التي تستخدم كمصائد لمحاولة ضياع مدخرات الآخرين، فهذا ما خُلقت المؤسسات الرقابية من أجله، وهو الحماية والرقابة.

ما المطلوب؟

المطلوب حزم أكبر من الجهات الرقابية، سواء بنك الكويت المركزي أو هيئة أسواق المال أو وزارة التجارة وغيرها من الهيئات التي ترى لها الحق بفرض غرامات أو عقوبات على شركة ما لإخلالها بعملها أو حتى عدم التزامها بالقوانين والتشريعات، والتركيز على فرض غرامات تساهم في "كف" العبث – إن وجد – لدى الشركات المخالفة، وعدم الاعتماد على أسلوب "المجاملات" وعدم الجدية في إيقاف التجاوزات، فمثلما يطالب الجميع بالحرية الاقتصادية الموجودة في أميركا والدول الاوروبية والمتقدمة، فلا بد أن نتعلم منها الحزم في فرض الغرامات والعقوبات لمن يستحق!