لم يعد مهماً الحكم النهائي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي باشرت جلساتها الأسبوع الماضي في جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري ورفاقه، ومسلسل الاغتيالات الذي تبع ذلك، لاسيما بعد عرض وقائع الاتهام الفني الدقيق ضد المتهمين، والذي ربطهم بجميع مراحل الجريمة الإرهابية، ولن يبقى بعد ذلك طفل في لبنان والعالم لا يعرف من الذي يقتل ويفجر في لبنان، ولسنا محتاجين بعد اليوم إلى محللين سياسيين واستراتيجيين ليشرحوا المشروع القومي الإيراني المتلبس بمذهب أهل البيت، والذي يَستخدم أتباعه المؤمنين الطيبين عبر التضليل والخداع، لتنفيذ ذلك المشروع.

Ad

"حزب الله" اللبناني وآلته الإعلامية المدربة والمموَّلة جيداً، والمدعومة من كل الشخصيات والتخصصات، والتي أصبحت شبكة ضخمة تغطي كل العالم العربي بمساندة جهازَي الاستخبارات الإيراني والسوري، سيشككان ويجادلان ويفتحان كل المواضيع الجانبية لحرف الانتباه عن المحكمة الدولية، ويستمران في وصفها بأنها مؤامرة أميركية، بينما يوكلان أكبر مكاتب المحاماة الأوروبية أمامها للدفاع عن كوادر الحزب المتهمة التي يحميها ويمتنع عن تسليمها! بينما راعي الحزب الإيراني يجلس مع الأميركان ويعقد معهم الاتفاقيات والصفقات! كما أنني، ككثيرين، لا أفهم من له مصلحة في قتل الضابط وسام عيد الذي كشف اتصالات المتآمرين، غير "حزب الله" وكوادره المتهمة؟!

حزب المقاومة، كما يطلق على نفسه "حزب الله"، وكما يطالب، يجب أن يظل مهيمناً على الدولة اللبنانية، لأنه ساهم في تحرير جزء من أراضي بلده والدفاع عنها، وهي حالة فريدة في العالم أن تطالب طائفة، ساهمت في تحرير وطنها، بمليشيات خاصة بها وحكم ذاتي، ولو كان هذا طبيعياً لطالبت مدن قناة السويس في مصر (بورسعيد والإسماعيلية والسويس) التي تعرضت في حروب 1956، و1967 ، و1973، لدمار شامل وتهجير، بامتيازات خاصة، لأن الدولة المصرية لم تحمها من الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة، لاسيما أن عصب المقاومة المصرية كان من أبناء تلك المدن، ولطالب كذلك أبناء شمال فيتنام التي واجهت الوجود الأميركي بنفس الامتيازات. طبعاً كل ما يطرحه "حزب الله" عن الدولة وعلاقة المواطن بها هو بدع وفذلكات لبناء دولة داخل الدولة باختصار ودون إطالة، والمحاكمة التي تجري في لاهاي حالياً هي بداية تكوين وتدوين سجل لمحاسبة هذا التنظيم الذي سيطوله يوماً الحساب على ما يفعله في بلده وفي الشعب السوري وأمته العربية، مهما طال الزمن وحاول التفلت من ذلك.

***

 يبدو أن تيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري ومناصريهما في لبنان والخارج، وخاصة الشقيقة المملكة العربية السعودية، سيعودون إلى نفس أخطائهم القاتلة التي حدثت منذ 2005 بالمشاركة في حكومات تغطي "حزب الله" وتشرعن ممارساته الشاذة، وهذه المرة ستغطي مشاركتهم في الحكومة الحزب في قتاله في سورية، وستكون بنفس الحجج التي تلت أحداث 7 أيار، وهي عدم تفجير الوضع اللبناني ووجود قرار دولي للحفاظ على الهدوء اللبناني ومنع الفراغ!... وهي تبريرات ستمكن "حزب الله" وحلفاءه من تحقيق مزيد من الانتصارات والتمكين في لبنان مع إعطائه الراحة المطلوبة لمواصلة دعم النظام السوري، خاصة أن الغرب ثبت تآمره مع روسيا وإيران بشأن سورية... " ومن جرب المجرب عقله مخرب".

***

أندهش عندما أستمع إلى السياسيين والإعلاميين المصريين يتحدثون عن الأوضاع في سورية ويحللونها، وأستغرب عمق غفلتهم عن حقيقة الأوضاع فيها والمحور الإيراني الممتد من العراق حتى لبنان، ودور إيران في دعم حكومة "حماس" في غزة التي تشكل لمصر كل الاختراقات الأمنية الخطيرة عبر سيناء، فالمصريون يتحدثون عن "داعش" وخطرها، ولا يعلمون أنها صناعة إيرانية- سورية من فلول "القاعدة" الذين هربوا من أفغانستان عبر إيران، واحتضنت طهران قياداتهم فترةً طويلة، واستخدمتهم في العراق سابقاً، والآن في سورية، رغم أن بعض فصائلها أفلتت منها ، وأن أهم هدف في المشروع القومي الإيراني هو عزل مصر عن المشرق العربي واقتسام النفوذ عليه بين إيران وإسرائيل.