هل لبلادة الإحساس من علاج؟
قبل ثلاثة عشر عاما كتبت مقالاً بنفس العنوان، عدّدت فيه بعض المظاهر التي تنمّ عن بلادة الإحساس أو غيابه لدى كثير من المواطنين، وأعدت قراءة المقال قبل أيام واستعرضت مثل هذه المظاهر بعد هذه المدة، فوجدت أننا أصبحنا أسوأ من السابق. عندها لم أسمع عن ناس يربون الأسود والنمور في بيوتهم، ثم يتركونها تتجول في الشوارع دون إحساس بما يمكن أن تفترسه من بشر أو حتى انتشار حالة الذعر بين الناس!!وقتها لم تكن التلفونات الذكية منتشرة بكثرة، وبدلاً من أن نستفيد من هذه الصناعة المتقدمة فإنك تفزع وأنت ترى الناس يقفون أمام الحوادث لا للمساعدة وإنقاذ المصابين ولكن لتصوير الحادث والمصابين، والأنكى نشر صور المصابين وهم يتألمون أو من ينازعون الموت، ونشر صورهم في وسائل التواصل اجتماعي!! وسائل التواصل الاجتماعي أحلناها إلى وسيلة للفضائح وإثارة الحزن وربما الموت لمن يشاهد قريباً أو عزيزاً يحتضر بينما أبطال التصوير يتسابقون على تصوير المآسي ليكونوا أول من نشر، وأول من أفزع أهالي المصابين وأول من فقد إنسانيته وإحساسه.
اكتشفت مئات الأطنان من المواد الغذائية المنتهية الصلاحية والتالفة وغير المناسبة للبشر، وأكلنا وشربنا دون أن نعلم، والإحصاءات تخبرنا بازدياد المصابين بالسرطانات بكل أنواعها، وهذا التاجر أو ذاك ممن لم تعلن أسماؤهم تزداد أموالهم على حساب صحة الناس. قديما كان التاجر ذا ضمير ويراعي الله، ويحرص على الناس من الضرر، فلماذا مات الإحساس الآن؟ وكيف يرضى إنسان أن يقتل أو يمرض إنسان آخر دون أن يهتزّ له رمش أو يشعر بنغزة في قلبه؟ كان رجال الدين رجال الدعة والطيبة والقدوة الحسنة، واليوم رجل الدين يدعو إلى قتل المسلمين وذبح أطفالهم والتمثيل بجثثهم دون إحساس أو خوف من رب العالمين. قد يكون هذا الداعية أو هذا الشيخ أو الإمام انحرف أو اشتراه من يريد بالأمة الأذى، لكن ماذا عن هؤلاء التبع ممن استخدموا أداة للقتل؟ ماذا نقول بمن يدخل مسجداً أو حسينية أو كنيسة أو أي مكان يوجد فيه بشر ليفجر نفسه في جموع المصلين والناس الأبرياء؟ وكيف وبأي مبرر يجيز لنفسه القتل؟ هل مات إحساسه؟ وهل تحول من يشجعه ويصفق له أو من يمده بالمال إلى شيطان يكره الإنسان ولا يخشى رب العالمين؟ أين المشاعر الآدمية؟ أين الإحساس الإنساني؟ مؤكد أن من يفعل هذا ليس من جنس البشر ولا يملك ذرة شعور أو إحساس.انظر كيف انحدر مستوى النقاش في مجلس الأمة، وكم البذاءات والشتيمة الشوارعية من أناس انتخبوا للتشريع وحماية البلد من المفسدين، فلماذا غاب إحساس هؤلاء ومن أين أتوا وأين تربوا؟ ألا يدرك النائب البذيء أن الناس تسمع، وأن القانون الذي يشرعه لن يجد الاحترام، ويكون مشكوكا في مقاصده ونواياه؟ فكيف يحترم الناس قانونا صدر من ناس لا يملكون الإحساس وليس لديهم شعور بالمسؤولية؟الماء نادر في الكويت وما نشربه هو تحويل ماء البحر المالح إلى ماء يصلح للشرب، وهي عملية مكلفة، فماذا نعمل في بيوتنا؟ انظر إلى الشارع حول بيتك، فماذا ترى كل صباح؟ مياه تهدر لتصب في المجاري لنعيد الماء الغالي مرة أخرى إلى البحر... لماذا؟ لنغسل سياراتنا به وننظف الساحة أمام البيت. تتعجب وأنت ترى كم الماء المهدور في المجاري لغسل سيارة، هل شاهد أحدكم غسال سيارات في مواقف السيارات؟ وكيف يغسل السيارات ويجعلها نظيفة في سطل واحد من الماء؟ نعم نرى ونعرف ومع ذلك نهدر الماء لماذا؟ لأننا فقدنا الإحساس، ومن يفقد الإحساس فلا قيمة للأشياء عنده حتى الوطن.إذا لم نعالج هذه الظواهر وكثيرا غيرها، ونحرك مشاعر الحب والولاء لوطننا وبعضنا بعضا وبسرعة فإننا سنفقد كل شيء، أقول بسرعة لأن بلادة الإحساس ستمتد تجاه كل شيء بما فيها الوطن.