قبل أيام نشرت "القبس" خبراً عن قيام جمعية طلبة كلية العلوم الاجتماعية "... التابعة لتيار الإخوان المسلمين في الجامعة... بإيقاف فعالية غنائية، بحجة وجود آلات موسيقية محرمة شرعاً..."، وورد في الخبر ذاته أيضاً اشتراط "... النادي السياسي التابع للاتحاد الوطني لطلبة الكويت فرع الكويت (إخوان مسلمون) وجود محرم للطالبات من أجل قبولهن لزيارة مبنى الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل...". ولم تمض بضعة أيام من ذلك الخبر حتى نشرت الصحافة تحذير النائب السابق محمد هايف، ممثلاً عن جماعة ثوابت الأمة، "من وضع أصنام في أرض المعارض، التي يمكن عدها كفراً..."!

Ad

يمكن أن نغفل أهمية أي من هذين الخبرين، فجمعية طلبة كلية العلوم الاجتماعية هي جماعة منتخبة تمثل أغلبية الجسد الطلابي في الكلية، مثلما يمثل الاتحاد الوطني فرع الجامعة طلبة وطالبات الجامعة بانتخابات صحيحة، والنائب السابق كرئيس لتجمع ثوابت الأمة لم يفعل إلا أنه عبر عن رأيه في "الأصنام"، وربما دان كل عمل فني يبرز الإبداع الإنساني، خشية أن يتحول الناس عن عبادة الله ليعبدوا تمثالاً رملياً... لكن على الضفة الأخرى من التحريم والمنع للموسيقى البريئة أو حظر التماثيل الرملية، والتي لم يساهم فيهما لا بيتهوفن ولا مايكل أنجلو، يبرز هنا المأزق المحرج لنا حين نطالب بالحريات والديمقراطية على نحو كامل، وندين انفراد السلطة في الكويت بتقليص مساحة كل منهما بعد إجراءاتها الأخيرة بالصوت الواحد وإغراقها البلد في الملاحقات الأمنية والقضائية للمختلفين معها.

الاتحاد الوطني لطلبة الجامعة كممثل للإخوان يشغل حيزاً كبيراً ومهماً في المعارضة الكويتية للسلطة، وبدرجة أقل (ربما) يمثل الفكر السلفي الذي يتبناه محمد هايف حيزاً من هذه المعارضة، فما العمل، حين ندعو للحريات، فنجد أن من بين الداعين منا يعتقد وبغير خلاف أن الحرية محددة بتخوم رؤيته الدينية أو الطائفية أو العرقية، ولا حرية تتجاوزها، فالحرية عند هذا المذهب الفكري هي "محاربة الفساد" المالي والإداري في الدولة، ويزيد عليها حين يحشر الحريات الشخصية والاجتماعية التي مرجعها "الضمير الفردي" تحت بند "الفساد الأخلاقي"، وعند الفريقين الدينيين (ثوابت الأمة، والاتحاد الطلابي) يتم تفصيل فكرة الحرية على مقاسهم الخاص، وهو مقاس قهري متعنت قاتل للفكر لا يقل استبداداً عن انفراد السلطة بالحكم، إن لم يكن أسوأ، فهل أصبح وضعنا كالمستجير من الرمضاء بالنار! وهل يتعين أن نتقبل مرارة التسيب والفساد المالي في إدارة الدولة كثمن واجب دفعه كي لا يأتي من يعصف بوجودنا، ويحيلنا إلى آلات ميكانيكية تتحرك بالريموت كونترول لفقهاء السياسة الدينيين.

لابد، هنا، من وقفة مراجعة يفترض أن ينتبه لها الإخوان أو الحركات السلفية، فمثلاً الرئيس محمد مرسي المصري الإخواني المخلوع بالقوة العسكرية لم يطالب مثلاً بإزالة الأهرامات، أو تدمير التماثيل الفرعونية في مصر على طريقة "طالبان" وهدمها تمثال بوذا التاريخي في منتصف التسعينيات، ويستحيل على مرسي وغيره فيما لو قدر للإخوان الاستمرار في قيادة الشرعية مجرد التفكير في هذا، ولم يقم إخوان مصر بتحريم الموسيقى وقتل الفنون جملة وتفصيلاً، مع أنهم "إخوان" مثل حال "إخواننا" في الكويت والخليج، وطبعاً حين نذهب إلى تونس فهوامش الحرية تحت قيادة حزب النهضة (الإسلامي) أوسع بكثير من الحالة المصرية، إذاً لماذا الجماعة هنا، الذين يشكلون أحد أسس المعارضة يقفون ذلك الموقف المتصلب وهم خارج دائرة الحكم؟! فهل حجتهم أن الثقافة الخليجية هنا أكثر "محافظة"، وأكثر التصاقاً بالدين الإسلامي...؟! لهم أن يبرروا رؤيتهم كما يشاؤون، لكن في المقابل عليهم أن يحذروا من أن إطلاق مثل تلك الممارسات الاستبدادية سينهش من جسد المعارضة، ويبعد الكثيرين عنها، فهل هذا ما يريدون في النهاية؟