لماذا يتطرف الشباب؟

نشر في 06-01-2014
آخر تحديث 06-01-2014 | 00:01
 د. عبدالحميد الأنصاري يجتاح الأرض العربية عنف إرهابي أعمى، توحش فتوغل إفساداً وتخريباً وقتلاً وترويعاً، هدفه قتل أكبر قدر من الأبرياء شاء حظهم العاثر أن يكونوا في مقهى أو مسجد أو سوق أو مزار ديني، هدفه الأسمى بث الرعب وإثارة الفوضى وهز الأمن وشل حركة الحياة وتعطيل مصالح الناس، أينما وجهت نظرك عبر الساحة لا تسمع إلا أصوات التفجيرات، كان العام المنصرم هو الأكثر عنفاً ودموياً، ودَّعه العالم بأفراح وآمال وودَّعه العرب بآلام وأحزان، هذا العنف الذي تجاوز كل المحرمات وانتهك كل المقدسات وأسقط آلاف القتلى والجرحى: ما أسبابه؟ ولماذا يستمر؟ ولماذا يجتذب إلى صفوفه المزيد من الشباب؟

أما الأسباب في تصوري، فلا تخرج عن:

1- الغلو الديني: وهو غلو ثلاثي الأبعاد، غلو في المعتقد حين يكفر الآخرين ويعتقد أنه المحتكر الوحيد للجنّة وحورها، وغلو في المعاملات حين يتوسع في التحريم ويضيق دائرة المباح، وغلو في العبادات حين يتهم الآخرين بالبدعة وأن ما عليه هو وأصحابه هو الصحيح الواجب اتباعه، هذا الغلو المركب هو نتاج مناهج دينية لم تفلح في غرس قيم الاعتدال والتسامح والمحبة، وثمرة خطاب ديني محرض وظف المنابر الدينية والإعلامية في غرس وترسيخ الكراهية.

2- التعصب: بكل أشكاله الدينية والمذهبية والأيديولوجية والقبلية، وهو تعصب يستثير عند الانسان أسوأ نوازعه العدوانية للفزعة الجاهلية التي حذر منها الإسلام.

3- الاستبداد بالرأي وفرضه بالقوة، ادعاءً بتملك الحقيقة المطلقة وعدم الاعتراف بنسبية الحقائق السياسية والاجتماعية.

4- تشويه المفاهيم الدينية بقراءات خاطئة للجهاد والأمر بالمعروف والولاء والبراء وعدم التشبه بالكفار، في غفلة عن سياقها الاجتماعي الزمني.

5- أوهام التآمر على الإسلام والمسلمين، والتي تحتل المساحة العظمى في عقول قطاع كبير من الناس، تقوم المنابر الدينية والفضائية بتغذيتها وترويجها على تصوير الآخر بأنه في حالة تربص مستمر بنا.

6- أوهام استعادة "الخلافة" التي تحكم عقلية قطاع كبير من الدعاة والرموز ظناً أن نظام الخلافة هو الذي أمر به الإسلام، ولا أدل من أن خطباء الإسلام السياسي كافة كانوا في ظل عهد الرئيس مرسي يبشرون بالخلافة، وهناك حزب "التحرير" الذي نذر نفسه للخلافة، مع أنها ليست من أصول الحكم الإسلامي؛ لأنه لا يوجد في القرآن والسنَّة ما يوجبه، فالقرآن الكريم إنما أتى بمبادئ عامة صالحة للتطبيق في الأزمنة والأمكنة المختلفة، وما الخلافة إلا صورة من صور الحكم، لا يصلح لزمننا لأنها تقوم على استئثار الخليفة بالسلطات كافة وتغييب المؤسسات والشعب.

7- تشويه الحضارة المعاصرة: بوصفها بالصليبية الحاقدة تارة، والإباحية الماجنة تارة أخرى، والعدوانية الساعية إلى الهيمنة على العالم الإسلامي ومقدراته تارة ثالثة، وذلك عبر منهج انتقائي ادعائي ممنهج في الثقافة الإسلامية والخطاب الديني والإعلامي، يضخم سلبيات الحضارة ويهمش إيجابياتها، ظناً أن تشويه حضارة الآخر، يحقق "التحصين الثقافي" للناشئة تجاه الغزو الثقافي.

8- الأنماط التربوية السائدة في التنشئة العربية: إذ يتبرمج الطفل العربي على نمط تربوي يتشرب فيه ويمتص الثقافة الموروثة والمحيطة- تلقائياً- طبقاً للمفكر السعودي إبراهيم البليهي، وهي ثقافة تقوم على عناصر غير آمنة، بالتمييز بين الذكر والأنثى ووصاية الذكر على الأنثى، وكراهية الآخر المختلف معتقداً أو مذهباً أو قبيلة أوديناً، يربى الذكر ليكون سيداً مطاعاً بينما تربى الأنثى لتكون تابعة مطيعة، هي ثقافة تعلي من مكانة الرجل على المرأة، دنيا وآخرة، لقد درست حياة الانتحاريين في الصغر فلاحظت أنهم ضحايا لأسر مفككة بسبب نزوات الأب، فحرموا من الحنان والدفء والتواصل الأسري.

9- الموروث الثقافي العربي: العنف مرض ثقافي اجتماعي ممتد من أيام الجاهلية في صورة الصراع على المرعى والغنيمة، وكان عنفاً ممنهجاً يفتخر به شاعر القبيلة، ونصف ديوان العرب في تمجيد انتصارات العربي على أخيه العربي وسلبه أمواله ونساءه! وهي ثقافة تأسست على الصراع والغلبة واستئصال الآخر، قال شاعرها "إنما العاجز من لا يستبد"، وقال "لنا الصدر دون العالمين أو القبر"، وقال "إذا مت ظمآن فلا نزل القطر"، وقال "السيف أصدق إنباء من الكتب". والتاريخ الثقافي الاجتماعي العربي ما هو إلا تاريخ طويل من الصراعات على السلطة والاستحواذ على الغنيمة عبر عنه الجابري في ثلاثيته: الدين، القبلية، الغنيمة. فالبيئة الصحراوية القاسية جعلت الدنيا أمام العرب لا تتسع إلا لفئة واحدة، فكانت الحياة صراعاً مريراً على موارد الماء الشحيحة، من كان يرد إليها لا يبقي شيئاً لغيره، كما قال البليهي.

10- عدم كفاية "التحصين الثقافي" للشباب: دينياً وثقافياً وفكرياً، وفي تصوري أن هذا العامل هو أهم العوامل التي تخلق لدى الشباب "القابلية النفسية" للفكر العدمي، فحين لا يجد الشباب حواضن فكرية تربوية اجتماعية تحصنهم وترفع مناعتهم، فإن قابليتهم للوقوع في أحضان التطرف كبيرة، وإلى اليوم لا توجد في البلاد العربية "استراتيجية وطنية شاملة" لمواجهة الفكر المتطرف، تشارك فيه كل مؤسسات الدولة والمجتمع، بحيث يكون هناك تنسيق وتعاون بينها، ولا تهدم مؤسسة ما تبنيه الأخرى، بل العكس هو الحاصل، إذ نشاهد مؤسسة معينة تدعو إلى الانفتاح والاعتدال والوسطية، وفي المقابل مؤسسة أخرى تكرس الكراهية وتوسع دائرة التحريم، وهذا ما لاحظناه في احتفالات نهاية العام، إذ عمدت مؤسسات إلى التحذير من المشاركة في الاحتفالات وتهنئة المسيحيين، وانتشر المحتسبون المتطفلون مستغلين وسائل التواصل الاجتماعي، للتحذير من التشبه بالكفار، مع أن ديننا الحنيف يشجع على محبة الآخرين وتواصل العلاقات معهم بالمعروف.

لماذا يستمر الإرهاب؟ بسبب "التسييس" أي تسييس العمل الإرهابي، بالقول إنه ما دفع هؤلاء الشباب للإرهاب إلا أنهم رأوا مظالم وقمعاً وتعذيباً وعدم عدالة في مجتمعاتهم، فهم طلاب حق وإن أخطؤوا الطريق، سبق قبل سنوات عدة أن قال أحد المنظرين في كتيب صغير مبرراً العمل الإرهابي في مصر "إنهم شباب متدينون مخلصون صوامون قوامون غيورون على الإسلام، هزهم ما يرونه في مجتمعاتهم من ردّة فكرية وتحلل خلقي وفساد اجتماعي واستبداد سياسي، فهم طلاب إصلاح أخطؤوا الطريق".

إن تبرير العمل الإرهابي بقهر الأنظمة وشيوع الاستبداد والتحلل، أو ربطه بالعوامل الاقتصادية أو قضايا الصراع الدولي أو الوجود الأميركي أو التآمر على الإسلام... إلخ. هو الذي يمدد في عمر الإرهاب ويجتذب المزيد من الشباب إلى أحضانه، ويكفي في سطحية هذه التبريرات، أن نقول: إن هذه المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية موجودة لدى شعوب الأرض كافة وبشكل أشد، ومع ذلك لم تدفع شبابها لتفجير أنفسهم في الأبرياء كما فعلنا! ثم إن عنف الإرهابيين سابق بزمان طويل على عنف الأنظمة، ثم إذا كان الإرهابيون يريدون الانتقام من الأنظمة العربية كما يزعمون، فما ذنب الأبرياء الذين يتساقطون كل يوم؟! إن تبريرات الإرهاب هي الأكثر خطورة من العمل الإرهابي، لأنها تهيئ المناخ الاجتماعي الملائم لانتشار ثقافة العنف.

* كاتب قطري

back to top