مهما بلغت درجة الاتهامات ومصداقيتها والآثار السلبية الناتجة عنها وتراكم المشاكل الإدارية المؤدية إلى تراجع مكانة الكويت وسمعتها الرائدة في التنمية والإنجاز، فإن التبرير الذي كان يطمئن الناس هو أن البلد بخير، ولا ينقصنا كشعب شيء في ظل اقتصاد متين يكفل نزول الرواتب الشهرية في حساباتنا البنكية قبل نهاية كل شهر، مع الدعاء الشهير «عسى الله لا يغير علينا»!

Ad

حجم المشاكل وطبيعتها، وقصص الفساد ورواياته، وأحاديث المال السياسي والرشا ومداولاتها، باتت على كل لسان بدءاً من الدواوين مروراً بالكتابات الصحافية ومواقع التواصل الاجتماعي وانتهاءً بمجلس الأمة، وذلك عبر سنوات ليست بالقليلة، وعلى شكل اتهامات متبادلة لم يستثن منها أي طرف سياسي أو فئة اجتماعية أو شخصيات عامة واعتبارية.

قبل ذلك كانت الاتهامات المتقابلة أيضاً منصبة على قضايا النفوذ والواسطة والمنافسة على استحواذ الوظائف القيادية في الدولة، وعلى الخدمات العامة الاستثنائية مثل الترقيات والعلاج بالخارج والنقل وغيرها، وهذه الاتهامات كذلك كانت تشمل التيارات السياسية وأعضاء مجلس الأمة.

مهما بلغت درجة هذه الاتهامات ومصداقيتها والآثار السلبية الناتجة عنها وتراكم المشاكل الإدارية المؤدية إلى تراجع مكانة الكويت وسمعتها الرائدة في التنمية والإنجاز، فإن التبرير الذي كان يطمئن الناس هو أن البلد بخير، ولا ينقصنا كشعب شيء في ظل اقتصاد متين يكفل نزول الرواتب الشهرية في حساباتنا البنكية قبل نهاية كل شهر، مع الدعاء الشهير "عسى الله لا يغير علينا"!

لكن هذه الاتهامات وصلت اليوم إلى حد خطير جداً وتحت عناوين مخيفة مثل المؤامرة على البلد وتقويض أركانه والوصول إلى الحكم، عبر نفس التراشق المتبادل بين الخصوم السياسيين والترويج لمثل هذه الادعاءات من خلال الوسائل الإعلامية والاجتماعية، بل تجاوزت الأمور كل الحدود لتتحول هذه الأحاديث المرسلة إلى شأن عام يتداوله الصغار قبل الكبار، في ظل أوضاع إقليمية مضطربة ومعادلات دولية سريعة التقلب، ودون وجود أي ردود فعل رسمية أو قرارات حاسمة لوقف مثل هذا التدهور السياسي.

المشكلة أن الجميع بات يعرف الكثير من التفاصيل عن الصراعات السياسية المختلفة في البلد بما في ذلك الخلافات بين أبناء الأسرة، التي ظهرت إلى السطح مع استخدام أدوات الضرب فوق الحزام وتحته، ولعلنا جميعاً نتفق أن استمرار هذا الوضع وتداعياته سوف يساهم في إضعاف هيبة الدولة، وتهميش الدور الحقيقي للمؤسسات العامة، مع النفخ المتواصل في الانقسامات المجتمعية القائمة بالفعل، وأن الضرر من جراء ذلك بلا أدنى شك سيكون على أصل الدولة وعلى عموم الشعب، وإن كانت بعض فئاته منشغلة حالياً بهمومها وأولوياتها ومصالحها الخاصة.

إن مثل هذا الملف الخطير يجب أن يحسم ويغلق نهائياً وبطريقة مسؤولة، وأن يوجه الناس نحو مشهد جديد يكمن فيه الأمل في إعادة رسم خريطة المصلحة العامة ومعالم مستقبل جديد، وهذه المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق أسرة الحكم، تليها النخبة الحكيمة والمخلصة من أبناء الكويت ممن يحظون بثقة الناس واحترامهم، وذلك قبل أن تستفحل الأمور أكثر فأكثر وتكون الحلول أصعب والمخارج أضيق وأعقد!