لم يحصل المدخرون قط على صفقات أو معاملات سيئة، بينما في المقابل يعد الائتمان بالنسبة إلى معظم المقترضين أمراً نادراً ومكلفاً، تجتذب تلك المفارقة شركات جديدة بعيدة كل البعد عن أوجاع الميزانيات الرديئة، وأعباء التكاليف المرتفعة، علاوة على السمعة المروعة التي باتت ترهق معظم البنوك التقليدية.

Ad

ولعل أبرز اللاعبين الجدد الداخلين إلى ملعب الائتمان هو منصات الإقراض (Peer-to-peer) التي يطلق عليها من "ند إلى ند" وتعرف اختصاراً بأنها P2P، وتستهدف العمل على توفيق المقترضين والمقرضين سوياً بشكل مباشر عبر مزادات تقام في العادة على شبكة الإنترنت "أون لاين أوكشن". وتعمل منصات "بي تو بي" على تقديم قروض تتضمن في أغلب الأحيان شرائح قروض أو رهانات أو حزمة متكاملة من الائتمانات. وتتولى بعض منصات "الند للند" بتجزئة القروض وترتيبها وإعدادها، وتسمح أخرى للمقرضين باختيارها والتقاط المناسب منها، وفي الحالتين تكون النتيجة صفقة أفضل بصورة مثيرة للانتباه بالنسبة إلى الطرفين.

وتعرض "زوبا"، وهي منصة "ند إلى ند" بريطانية فائدة قدرها 4.9 في المئة على المقرضين (معظم الحسابات المصرفية لا تدفع شيئاً)، وتفرض بشكل نموذجي فائدة قدرها 5.6 في المئة على شكل رسوم على القرض الشخصي (وهو مستوى فائدة منافس للمعدلات التي تفرضها معظم البنوك).

في أماكن أخرى لمعاملات "ند إلى ند" تكون العوائد والمخاطر أعلى، وتدفع "ايزبانكور"، التي تقرض أكثر من 60 ألف شخص في أربع من دول منطقة اليورو، إلى مقرضيها 21.45 في المئة في المتوسط كعوائد صافية (بعد استقطاع 3 في المئة كمعدلات للتخلف عن السداد)، في الوقت الذي لا يكترث مقترضوها بوصول المعدلات إلى 28 في المئة لأنهم يقومون بإعادة تمويل ديون بطاقات الائتمان الأكثر تكلفة والقروض الشخصية.

تعويض الخسائر

وتتصاعد عمليات الإقراض عبر منصات P2P "الند إلى الند" بسرعة في العديد من البلدان. في بريطانيا يتضاعف حجم القروض كل ستة أشهر، وقد تجاوزت المليار جنيه إسترليني (1.7 مليار دولار)، وهو رقم صغير أمام إيداعات التجزئة في المصارف عبر البلاد التي تصل إلى 1.2 تريليون جنيه إسترليني. في الولايات المتحدة تسيطر أكبر شركتي إقراض وفق منصات P2P، وهما "ليندنغ كلوب" و"بروسبر"، على 98 في المئة من السوق، وقد أصدرتا 2.4 مليار دولار على شكل قروض في سنة 2013 مرتفعة عن 871 مليون دولار في سنة 2012. وتحقق الشركات الأصغر حجماً أداء أفضل على الرغم من أنها تنمو من قاعدة أدنى الى حد كبير.

ويتحدث نيل بيندوف من "بي دبليو سي"، وهي شركة خدمات مهنية عن بوادر "عاصفة كاملة" تدعم نمو خط منصات إقراض P2P، فمعدلات الفائدة تقترب من الصفر، وقد سئم العامة والرأي العام من البنوك، كما أن التكلفة متدنية (نسبة الثلث مقارنة بأي مصرف تقليدي، بحسب الباحث رينو لابلانش من "ليندنغ كلوب")، وقد أصبحت التجارة الإلكترونية جزءاً من الحياة اليومية. ويستخدم الناس شبكة الإنترنت في عمليات الائتمان P2P عبر "سكايب"، وفي التسوق عبر "إي باي"، لماذا لا ينسحب الأمر على القروض؟

لا تزال معرفة الناس متدنية- وقد كشفت دراسة أجرتها شركة "بي دبليو سي" أن 15 في المئة من البريطانيين قالوا إنهم سمعوا عن شركات كبرى متخصصة في منصات P2P مثل "زوبا" و"فاندينغ سيركل" و"ريت سيتر"، وأن 98 في المئة سمعوا عن البنوك الرئيسية، وتتمثل العقبة الأخرى في بريطانيا بأن عمليات إقراض "الند إلى الند" ليست منظمة بصورة تامة، لكن ذلك سوف يتغير اعتباراً من الأول من شهر أبريل المقبل. وفي الولايات المتحدة يستطيع الأشخاص الذين يدخرون من أجل التقاعد تطبيق إعفاء ضريبي على قروضهم وتعويض خسارتهم في الأرباح. وتنتظر صناعة الإقراض عبر منصات P2P في بريطانيا قراراً لخطط توسيع الإعفاء الضريبي على نماذج المدخرات التي يقدمها الدائنون عبرها.

التنظيم والإنقاذ

يتعين أن يساعد التنظيم على تبديد بواعث كبيرة للقلق من احتمال حدوث انهيار لإحدى المنصات التي تدار بصورة سيئة مما يتسبب في ضياع أموال المستثمرين. في الأسبوع الماضي نظمت "جمعية تمويل منصات P2P"، وهي هيئة تجارية، مؤتمراً متخصصاً عن التمويل عبر منصات "الند للند"، وقد أعرب مديرون تنفيذيون عن قلقهم إزاء مخاطر حدوث "إخفاق على غرار بيتكوين"، قد يتسبب في اهتزاز ثقة الناس في الصناعة الناشئة. ومن المحتمل أن تصر القوانين الجديدة على قيام شركات P2P بحماية الأموال غير المستغلة التي جرى جمعها من مدخرين، وضرورة وجود طرف ثالث لإدارة القروض المعلقة إذا توقفت تلك الشركات عن العمل.

طفرة المنصات

ثمة تساؤلات كبيرة أخرى يتعلق أحدها بالتأمين؛ فالأموال التي يتم إيداعها لدى مقرضي P2P ليست مغطاة بضمانات مدعومة من الدولة التي تحمي إيداعات عملاء البنوك. هناك بعض المنصات تعرض نماذج على شكل بدائل، وقد بدأت منصة "زوبا" وغيرها من الشركات البريطانية بما يطلق عليه "الأموال الاحتياطية" التي تستهدف (لكن من دون وعد) تعويض القروض الرديئة.

وتخفف تلك الخطوة من أخطار المقرضين ولكنها تفسد الفكرة الأصلية وراء عمليات P2P. وينسحب ذلك على التأمين: يقول رون سوبر من "بروسبر"، وهي ثاني أكبر شركة إقراض في الولايات المتحدة، إن "محادثات تأمينية فنية اكتوارية متعمقة" تجري مع جهات خارجية ترغب في مساعدة المقرضين على مواجهة أخطار متمثلة بتخلف المقترضين عن السداد نتيجة الوفاة أو فقدان العمل. ويتخوف البعض من أن تلك الترتيبات يمكن أن تخلق من جديد مجازفة ابتليت بها العمليات المصرفية التقليدية.

وتثير الطفرة في أعمال P2P العابرة للحدود أسئلة قانونية محيرة، فاللجنة الأوروبية لم تتمكن بعد من الاقتراب أو إحكام السيطرة على هذه الصناعة، إذ إن إقرار كيفية إصدار الائتمان وتحصيل الديون يخضعان في غالب الأحيان للقوانين الوطنية.

لكن هذه القوانين تقدم القليل من المساعدة عندما تأتي الأموال من مئات المقرضين في دول عديدة، ويستثمر الأجانب الساعون إلى حماية عوائدهم بقوة، سواء في صورة أفراد أو مؤسسات، أموالهم في الأسواق الأميركية.

جاذبية التسويق

في الوقت الراهن يأتي ثلث الأموال إلى "ليندنغ كلوب" من مستثمري التجزئة، أما البقية وهي الشريحة الأسرع نمواً فتأتي من الأغنياء والمؤسسات، وفي بريطانيا يعتبر غيلز أندروز من شركة "زوبا" هذه الفكرة كما لو كانت لعنة: يتعين أن يعامل كل المدخرين بصورة متساوية. وفي المقابل يظن البعض الآخر أن كبار المقرضين سوف يهيمنون في نهاية المطاف على عمليات الإقراض عبر منصات P2P على الإنترنت.

تقضي عمليات الإقراض P2P أيضاً على التباين الخطر بين إيداعات الأجل القصير وقروض الأجل الطويل الكامنة في العمليات المصرفية التقليدية- لكن بصورة عامة عبر تقييد المقرضين بمدة القرض. ثمة سوق ثانوية تنمو بسرعة في قروض منصات P2P، وهي تسمح للمستثمرين باستعادة أموالهم إذا كانوا في حاجة إليها، ويتم ذلك في العادة عبر بيع القروض مع خصم- ولكن القوانين تختلف: بعض المنصات تشتري القروض والأخرى تقوم بإجراء مزاد.

عمليات الإقراض عبر P2P ليست معقدة: يتوقف النجاح فيها إلى حد كبير على جاذبية التسويق وقدرته، وجودة الحسابات المستخدمة لاستعراض المقترضين، وسهولة الاستخدام (تكرس  منصات P2P جهودها من أجل تطوير تطبيقات للهواتف الذكية والتابليت). وقد تجتذب عمليات الإقراض P2P بعض الجهات الخارجية مثل البنوك أو شركات الإنترنت التي تملك في الأساس معلومات واسعة عن عملائها (مثل "فيسبوك")، وهي بارعة كذلك في الربط بينهم. وفي السنة الماضية قادت شركة "غوغل" عملية استثمار في "ليندنغ كلوب" بقيمة 125 مليون دولار لتصل بقيمتها بعد ذلك عند 1.55 مليار دولار، وربما تريد المزيد.