يبدو أن إعلان الاتحاد الخليجي لن يرى النور لأسباب كثيرة منها إخفاق دول "مجلس التعاون الخليجي" على مر أربعة عقود في توفير البنية والمناخ المناسب لهكذا استحقاق مهم في مسيرة دول "مجلس التعاون الخليجي".
منذ إنشاء "مجلس التعاون" وبالرغم من وجود مجموعة عوامل مشتركة كالجغرافيا والدين واللغة، فإنه لم ينجح في إنجاز "الفرشة" المناسبة لإطلاق مشروع الاتحاد، ولم يستطع استثمار تلك المشتركات بالشكل الصحيح، فلا استراتيجية ولا أهداف، لذا جاءت الإنجازات مخيبة لآمال الشعوب، فكل ما تحقق لا يعدو "درع الجزيرة"، و"دورة الخليج"، والسفر بالبطاقة المدنية بدلاً من الجواز.على مستوى العلاقات الخارجية تفاوتت المواقف إلى حد التناقض، والخلافات الداخلية بين دول المجلس تطل برأسها بين فترة وأخرى، فضلاً عن الاتهامات والتراشق الإعلامي بمشاركة مستترة تعصف بكل بارقة أمل، فأي اتحاد نتحدث عنه؟هذا الاتحاد الأوروبي يكبرنا حجماً ولا تجمعه إلا الجغرافيا، بُني على مخلفات حروب عالمية تختلط فيه الأعراق والديانات واللغات، إلا إنه نحج وبفترة زمنية أقل من مجلسنا في توحيد السياسات الاقتصادية، والعملة الموحدة، ووحد التعريفة الجمركية، وأوجد تناغماً في المواقف الخارجية والعسكرية، وساهم في دعم الأسس الديمقراطية وحق الشعوب في المشاركة عبر برلمانات تمثله خير تمثيل... ونحن مازلنا مكانك راوح.هناك معضلات رئيسة قائمة، ولنكن في غاية الصراحة؛ هل دول مجلس التعاون الخليجي قامت بما هو مطلوب منها نحو تعزيز الوحدة الشعبية بإزالة الشكوك من رؤوس مواطنيها أم أنها تفكر بطريقة مختلفة عمّا تريده الشعوب؟فكل مشاريعها الأخيرة تدور في الفلك الأمني الذي أثار الكثير من الشكوك حول جدية الحكومات في الإصلاحات الحقيقية التي يتطلع لها الشعب الخليجي. هموم المواطن الأساسية وآماله يمكن تلخيصها في غاية البساطة، فهي تتمحور حول الحريات، والممارسة الحقيقية للديمقراطية، مع تحسين فرص العمل والاستفادة من الطاقات البشرية بدلاً من العمالة الأجنبية، ومن ثم تحقيق ما يكفل كرامته وينعكس على ظروفه المعيشية بما يتناسب مع الدخل القومي لدول مجلس التعاون.ما ينقص الاتحاد كثير وفي مقدمة ذلك إصلاحات دستورية من خلال وجود مجالس منتخبة، فهل تستطيع دولنا تجاوز هذا القدر من المشاركة الشعبية أم ستتحجج تحت ذريعة أن لكل دولة الحرية في وضع سياستها الداخلية بالنحو الذي يتناسب مع خصوصيتها أو من خلال تقليص ما هو موجود؟نجاح الاتحاد الخليجي يحتاج الكثير بدءاً من إصلاحات دستورية تتماشى مع المنظومة العالمية عبر إرساء قواعد الديمقراطية، ومروراً بإصلاحات اقتصادية تنعكس بشكل إيجابي على المواطنين، وفي مقدمتها معالجة التفاوت الكبير في الأجور، ناهيك عن البدء فوراً بمشاريع النقل والمواصلات والطاقة وغيرها الكثير، وذلك لتمكين الاتحاد من أن يرى النور على أرض صلبة.أخيراً نريد اتحاداً تشارك فيه الشعوب وترتضيه مبنياً على العدل، ينهض بمقدراتنا الاقتصادية والبشرية بشكل يضعنا في صفوف العالم المتقدم. ودمتم سالمين.
مقالات
الاتحاد الخليجي والتوافق الشعبي
13-12-2013